معرض الكتاب
لمياء النفيعى
يعتبر الكتاب مُفتاح المعرفة، والرقي، ومن مقومات الهوية الوطنية للأمم والشعوب، ومن أهم المهارات المكتسبة التي تمنح الفرد مهارة التعلم الذاتي، والتعرف على الثقافات والعلوم المختلفة، وتوسيع عقله، ومداركه، وقدراته، ومصدر لنمو مفرداته اللغوية حيث تشذبها، وتجملها وإن لم يشعر بذلك، فمن خلالها يطلع على المفردات، وروائع الأدب فتعلق في ذهنه وتترك أثراً في نفسه وتكوين شخصيته وانعكاس ذلك على مجتمعه، وتنقله من عصرٍ إلى عصر، ومن زمن إلى زمنٍ آخر، وتجعله يسرح بخياله من خلال قراءة الحكايات والقصص والمواقف التاريخية التي يمكن يأنس بها في وقت فراغه، فقراءة الكتب المتنوعة دليل على تقدم الأمة وازدهارها لاطلاعها على ثقافات، ومعارف الأمم الأخرى، واكتساب منهم العلوم النافعة وعنوان للإبداع والنبوغ والتفوق.
أن الكتاب ذات أهمية كبيرة في حياة الشعوب لأن تاريخ الأمم وحضاراتها لا يمكن أن تنتقل عبر الأجيال إلا بكتابتها، لقد كانت تدون عبر وسائل كالرسم والنقش والجلود والأوراق وغيرها، ولو فرضنا عدم وجود الكتابة لاندثرت كثيرًا من الحضارات، لأن العلوم والمعارف ونتاج العلماء في شتى العصور قد وصلنا عبر تلك الوسائل.
من الحكمة الإلهية البالغة أن أول كلمة نزلت في القرآن “أقرأ” وشرفت بها الأمة الإسلامية التي حملت رسالة التوحيد، ونور الهداية إلى مشارق الأرض ومغاربها حتى نهضت بالعلم والمعرفة، وشيدت حضارتها الإسلامية، وبلغت النهضة أوجهها وقمة ازدهارها عبر مختلف العصور، حيث ساهم علماء المسلمين إسهاماً مباشراً في كتابة ما حدث عبر التاريخ بكتابتها، وتدوينها، وحفظها من الضياع، لقد كانت الخلافة الإسلامية في بغداد صرحاً علمياً لا مثيل له في التاريخ وللأسف الشديد فقد اضمحل الاهتمام بالكتب والمكتبات بسبب سقوط العالم الإسلامي في براثن الاستعمار، واستمر هذه الحال طيلة قرون ولم يخرجوا منها إلا مع بداية القرن التاسع عشر وأطلق عليه عصر النهضة التي شملت الحياة السياسية، والاجتماعية، والاقتصادية، وتمخضت في ميادين الأدب والفكر نهضة عميقة، وفسحت المجال لأجيال من الكُتاب الذين تحرروا من الجمود والنهوض بالكتاب وجعل له مكانة، وقيمة حضارية ونشر ثقافة القراءة، وجذب القراء من مختلف الفئات العمرية وتشجعيهم، وقيام بعض الفعاليات، والمهرجانات لتوضيح أهمية الكتاب بين أفراد المجتمع، ومن هنا بدأت فكرة معرض الكتاب وانطلقت من دولة مصر الشقيقة لاهتمهامها بالقراءة منذ عقود حيث أصبحت تقام تلك المعارض سنوياً لأيام معدودات حيث تعرض مجموعة كبيرة من الكتب المتنوعة التي تشمل جميع مجالات العلوم والمعرفة والأدب، واهتمام كل دولة بإبراز أفضل الكتب لديها، وتزيد من معرفة محبي القراءة وتوثيق العلاقات الاجتماعية والتبادل الثقافي فيما بينهم.
فإذا كان معرض الكتاب له ذات أهمية كبيرة عند القراء حيث يتوافد آلاف الزوار يوميا لشراء الكتب والاطلاع على العلوم والتعرف على الثقافات الأخرى في أيامٍ معدودة فلما لا يتم إنشاء فكرة مكتبة مصغرة لتشجيع جميع الفئات العمرية على القراءة وقطع وقت الفراغ، وكسر روتين الرتابة والملل، والجلوس طويلًا أمام الأجهزة الذكية والإقبال على برامج “السوشيال ميديا” التي أشغلت الذهن، وقضاء الساعات في التواصل معها، تكون بداية من الأسرة نفسها التي هي الركيزة الأولى في نشء جيل مطلع وملم بالعلوم والمعرفة حيث تهيء حيز للكتاب في المنزل وتنشئ الطفل على حب الكتاب ابتداء من قراء قصص الأطفال حتى قراءة كتب العلوم والمعرفة والبحوث والمراجع، ومن ثم يأتي دور المدرسة بزرع قيمة الكتاب في نفوس الطلبة وبتشجيع عادة المطالعة الذاتية لديهم، وجعلها وسيلة تحفيزية على الجد والمثابرة، وفي حياتنا الاجتماعية تقديم الكتاب كهدية لإبراز قيمته وأهميته، أيضًا السعي بوضع رفوف للكتب المتنوعة لجذب القارئ في صالات المطارات، وردهات المستشفيات، والأماكن العامة، والمجمعات، والمقاهي بطريقة ملفتة للنظر، وإقامة مهرجانات للقراءة خلال فترة الصيف، ونوادي للقراءة في الأحياء بطريقة منظمة ومعتمدة من جهات مختصة يشرف عليها الأعلام والأندية الثقافية والنوادي المهتمة بالكتاب بذلك تساهم في نشر الوعي والثقافة لبناء مجتمع مثقف يدرك أهمية التحاور والتفاعل مع الآخرين ورسم صورة مشرقة لمجتمع يهتم بالقراءة والثقافة، وإلا يؤدي بهم إلى الجهل والتخلف ويجلب الويلات، والخراب لكل أمة إذا تفشى وطغى وتكون عرضة لبغي الأعداء.
وقفة مضيئة
” الكتبُ ليستْ أكوام من الورق الميت، إنها عقول تعيش على الأرفف”