الأدب والشعر

حامل لواء العِلم شُكرًا

لمياء النفيعى

لمياء النفيعى

فاضت صفحات التاريخ عن أممٍ تلطخت بالجهل، وتغلغلت فيه حتى نخرتها، وأحاط بها التخلف من كل جهة، وتحجر العقل ، وتجمد الفكر، وطردت كل عقل يرنو نحو العلم والتقدم، ودفنت نفسها في مستنقع الظلام، وأبت الخروج منه، تجر أذيال الفشل، وتفشى المرض، والفقر، والخرافات، والاستبداد، فانتشرت بينهم كانتشار النار في الهشيم، وعانت من انقسامات، وصراعات، وحروب داخلية في مجتمعاتها، وأصبح عصرهم مميز بـ ” الجاهلية” وباتوا وصمة عار في جبين التاريخ ، ويضرب بهم المثل؛ في الوقت الذي تقدمت وتطورت فيه حضارات سادت عليهم، كما سادت على غيرهم من المجتمعات بسبب إهمالهم للعلم، ومحاربة المعلم أشد محاربة، وقطع كل طريق يسلكه لإيقاظ الشعوب من غفلتها، والرفض القاطع للتغيير والتطور والتقدم، ولاتدرك بأن مصيرها الهلاك والبوار إلا بعد فوات الأوان، وبمجيء الإسلام انتهى عصر الجاهلية، وبدأ عصر النور والمعرفة وبُعث أعظم معلم للبشرية سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- وقدوة للمعلمين، كان خير معلم يعلم الناس أمور دينهم وديناهم، وانتشلهم من عصر الظلام وجعل لهم حضارة يُمجد لها ويفتخر بها التاريخ وتقتدي بها الأمم الأخرى.

أن المعلم والعلم وجهان لعملة واحدة ترتقي بثقافة وتاريخ الأمة وتجعل لها حضارة لا مثيل لها، أو تنكب على وجهها في مستنقع الجهل، لأن مهنة المعلم ذات أهمية كبيرة في حياة الشعوب، وأكثرها خلداً في تاريخ البشرية، وهو الجندي المجهول الذي يمتطي صهوة جواد العلم ليواجه جيوش الجهل ويبني العقول ويساهم في نهضة الأمم وتقدمها، وصاحب الفضل الأول في إقامة الحضارات الحديثة واستئصال جذور الجهل والخرافة والشعوذة، وينير دروبها.

كما نعلم أن العلم يؤخذ من المعلم قبل الكتاب، وقديمًا قيل : “من كان علمه من كتابه كان خطؤه أكثر من صوابه”، لأن المعلم هو الباني الحقيقي للمجتمع، وفي الأمة بأسرها، بدونه لا يمكن وضع أسس متينة لتعليم المجتمع ، والارتقاء والتقدم بكل مجالاته وجميع مستوياته وأدواته وعناصره، حتى يتحرك بمجتمعه نحو الأمام، وبه تُهيأ عقول ويزرع القيم الإجابية، فيغدو الجيل واعيًا متعلمًا نافعًا لوطنه وأمته، فلذلك وجب الاهتمام بالعلم وتقدير المعلم وإعطاؤه حقه من التبجيل، وتكريمه ، وتسخير له كل الإمكانيات حتى يُبدع ويقدم أفضل مالديه من خبرات، وحماية حقوقه لأنه اللبنة الأساسية في بناء الأمم والحضارات ، وكذلك يجب على أولياء الأمور تربية أبنائهم على احترامه وتوقيره وتقديره، وإلا تهتز صورته في نظر طالبه، فينشأ على عدم احترامه ولا يُقدر مكانته، و ايضا يجب على أولياء الأمور تقدير الدور الذي يقوم به المعلم اتجاه أبنائهم والامتنان لهم، كما أنه بدوره يجب أن يكون القدوة الحسنة الذي يحُتذى به في مختلف الجوانب السلوكية والأخلاقية والثقافية، ليقتدي به ويتخذه شمعة تضيء له مشوار حياته، ولقد كان الأولون يتعلمون الأدب قبل العلم، ويوقرون العلم وأهله، ويجعلون لهم مكانة مرموقة، وقدوة حسنة لهم.

ها نحن نحتفل باليوم العالمي للمعلم الذي أفنى عمره وصحته ووقته، واعتلى قمة الصعاب، وأنار العقول، وتقلد وشاح الصبر، وقدم التضحيات وتحمل الصعوبات، وتفطرت قدماه ليقدم كل ما لديه من معرفة وينشر ما بجعبته من معلومات دون أن يسأم أو أن يمل بكل إصرارٍ وعزيمةٍ من أجل إنشاء جيل واعي مثقف لبناء مجتمع سليم ومستقر من جميع النواحي، ومؤهل لقيادة المستقبل،
لذا تحرص وزارة التربية والتعليم على الاحتفال باليوم لعالمي للمعلم إيمانًا منها بأهمية هذه الفئة في تربية وتعليم المجتمع والمساهمة في ثقافته وتطويره ونهضته، وسعيًا منها لغرس قيمة المعلم في أذهان الطلبة، وكذلك تقدير جهوده المستمرة في تربية النشء، وتسليط الضوء عليه، وما يحمله من رسالةٍ نبيلةٍ وأمانة عظيمةٍ، وإعلاء قيمته في المجتمع، وأهمية دوره من أجل تقدم المملكة وأبنائها، ومعرفة حجم المسؤولية الكبيرة التي تقع على أكتافه، وأنه بصمة مؤثرة تبقى أثرها مدى الدهر.
ومن هذا المنبر نشكر حاملي أسمى رسالة، ومُربي الأجيال، و صانعوا الأوطان، ونقف لكم إجلالاً واحترامًا لما تبذلونه من جهد وعطاء وتضحية، في سبيل بناء المجتمع وازدهاره، فأنتم الأبطال الحقيقيون الذين تقفون في المقدمة بكل تفاني، وإخلاص في سبيل رسالتكم النبيلة، و مهنتكم الشريفة، ونقدر عطائكم، ودوركم في صنع التقدم، وغرس القيم النبيلة في نفوس أبنائنا وتهذيبها، وتقليدهم وشاح العلم والمعرفة، فكونوا كم عهدناكم بحر من العطاء لا ينفد، ومنارة لا يخبو ضوؤها، ونحن بدورنا لن ننسى فضلكم مهما امتد بنا وبكم الزمن، وستبقون رمز المجتمع والوطن والأمة.

وقفة مضيئة
يا شمعة في زوايا الصف
تنير درب المعالي وهي تحترق
لا أطفأ الله نورًا أنت مصدره

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى