الأدب والشعر

فيلم الجبرتي وتوظيف التراث والحكاية الشعبية  

مجيب الرحمان الوصابي

مجيب الرحمان الوصابي

بعد الضجة الإعلامية التي أثارها فيلم الجبرتي للمخرج خالد لكرع المستوحاة من أسطورة عدنية ، أجرى الصحفي المتميز فتحي بن لزرق هذا الحوار مع الباحث الناقد اليمني مجيب الرحمن الوصابي عن الفيلم وكيفية استثمار التراث الشعبي: محاذيره وضوابطه والرواسب الثقافية والمخطوطات في عدن:

س: كان رأيك في فيلم ( الجبرتي) ونقدك غير واضح … وركزت على مفردة (الجبرتي ) تاريخيا وجغرافيا وقانونيا ما هو رأيك بالضبط؟

 

لا جديد بلا قديم، وغيرنا يتمنى أن تكون له مثل هذه الحكايات!… ماذا لو أن غير (خالد لكرع) انتبه لخرافة “الجبرتي” عربيا أو أجنبيا كان؛ وأستثمرها! وهي كمادة أولية (خام) تصلح للاستثمار بشكل مبهر، حقيقة لم يقم خالد لكرع إلا بواجبه؛ وسجل ريادة تاريخية وسبقا فنيا.

سيجد السياح يوما متعة وهم يستمعون لأحفادنا يقصون لهم خرافة الجبرتي اقصد من سُموا بهذا الاسم عند كهوف البوميس وجنية العقبة … سيغادرون المكان لكنهم لن ينسوه ابدا … في الخرافات والأساطير سحر حتى بعد انتهاء وظائفها التي صنعتها

 

س :لكنها حديث خرافة!! ولم يعد لها وجود؟ فما فائدة احيائها؟

ربما زالت الظروف الاجتماعية التي نشأت في ظلها هذه الخرافة، وفقدت الكثير من أهميتها مع الزمن، فتبدلت وظائفها، وأصبح استخدامها شكليا، وهذا ما يعرف في علم الاجتماع ب(الرواسب الثقافية) ، الاحتفاظ بالتراث والحكايات الشعبية ليس ذي فائدة مباشرة حاليا عند بعضهم؛ إلا أنه تراث الأجداد، مثلا الخناجر او ما يعرف بالجنابي لماذا ظلت تقليدا حاضرا في المجتمع اليمني خصوصا القبلي؟! رغم انتفاء وظيفتها الأولى التي كانت للقتال عند اليمني القديم كما يرى علماء الأنثروبولوجيا ، اليوم الجنبية هي زينة للرجل، كما ان حكاياتنا الشعبية ومنها حكاية ( الجبرتي ) هي زينة لنا!!! وغيرها من الحكايات نتباهى بها وبأن لعدن حضارة وتاريخ ولها بخورها الذي فاح على العالم فنا وابداعا وتراثا خالدا

 

حديث خرافة قد ننكره؛ و نجد في النفس شوقا لسماعها وانفعالا، وربما مشاهدتها ممثلةً أمامنا لزيادة المتعة والمعرفة؛ ولن أخوض للنظرية النفسية في وظيفة الفن.

 

س: تتحدث عن الحكايات الشعبية والتراث وعلاقتها بالاستثمار او التنمية المستدامة.. كيف يكون هذا؟

 

كنت استغرب لماذا تهمل الحكايات الشعبية وتغيب عن التوظيف في المجال الفني الثقافي في الدراما والشعر والرواية والموسيقى، فلم يعد الحديث- اليوم- عن المأثورات الشعبية متعلقا بجانب وجداني ثقافي (تراث الأجداد )؛ بل صار الحديث اليوم عن التنمية الاقتصادية والاستثمار لها ويمكن للمأثورات الثقافية ان تكون اساسا لنهضة اجتماعية ثقافية تسهم في التنمية الاقتصادية للمجتمع

الحكايات والأغاني والموسيقى والحرف المأثورة والملابس التقليدية وغيرها من أشكال التراث يمكن من خلالها تحقيق تنمية اقتصادية للمجتمع ، ولا يغيب عن الذهن ان كثيرا من الأعمال الفنية المحترمة التي لاقت رواجا وانتشارا وبقاء على مستوى الإنساني العالمي لها أصولها في الأغاني والحكايات والملاحم والسير والموسيقى والرقصات التي أداها مغنون وحكّاؤون وراقصون مجهولون. ونحن شعب ضارب بالحضارة وتراثنا زاخر ومثمر وخصب

لكن لهذا الاستثمار في التراث الشعبي محاذير وضوابط

 

س: ما هي هذه المحاذير في استثمار التراث الشعبي وحكاياته؟

قد يبدو الأمر بسيطا حكاية مثيرة كخرافة ( الجبرتي وكهوف البوميس) و( وخرافة السماء التي امطرت لبنا للعيدروس)….. وغيرها يتم توظيفها واستثمارها كونها مادة خام أولية تصلح للفن والأدب والدراما لكن يلزم الأمر اجراءات عملية صارمة، وقدرا من الاحترافية العالية تخضع للتخطيط السليم والمحافظة على مستوى معين من الجودة والاتقان والملاحظة والنقد حتى لا يحدث تشويه لهذه المأثورات أو ابتذال لها في شكل منتجات تفتقد الأصالة وتنزع نحو الانتشار الرخيص مما ينعكس سلبا عليها وعلى الثقافة التي تعبر عنها

 

س : ماذا قصدت بمصطلح الرواسب الثقافية؟

مصطلح يقصد به العادات والأفكار، وأنماط السلوك والآراء والمعتقدات والاتجاهات التي لايزال يحافظ عليها افراد المجتمع ويتمسكون بها بشكل تلقائي وبلا شعور بالرغم من اختلاف الظروف والظواهر التي نشأت في ظلها عما هو موجود حاليا على أساس انه ميراث الأجداد وهي مشاهدة و معاشة خصوصا في طقوس الزواج او الولادة او حتى المرض بعضها لها جذور عميقة ترتبط بالعبادات اليمنية القديمة حكى ابن المجاور في كتابه أن عرب (العقارب) في أيامه كانوا اذا وجدوا غزالا ميتا كفنوه وصلوا عليه وأقاموا مجلسا للعزاء! تغيير الاسماء للمواليد او الاطفال او الزوجات عند بعض الأسر له جذوره الضاربة في القديم ما قبل الاسلام والديانات في اليمن….

 

هل هناك علاقة بين التراث الشعبي وحكاياته بما يجري من تطورات في الحياة المتسارعة او بما بات يعرف باسم العولمة؟

ثمة استلاب في ظل العولمة والتقنيات الحديثة للثقافة الوطنية، جيل ينشأ ولا يعرف من هم اساطين الثقافة والابداع في عدن خاصة واليمن بوجه عام ،لا يستمعون لأحمد قاسم او الزيدي او المرشدي ومحمد سعد او يقرأون لطفي امان والجرادة ولقمان لا يعرفون تاريخ مدينتهم التليد !! جزء من حقيقة هذه الحرب يتمثل بفقدان الانتماء واللامبالاة والجري خلف الثقافات الاخرى والتقليد …. يمكن القول بان العولمة سلاح ذو حدين

قد ترفد الثقافات الوطنية بما يثريها ويضيف اليها ويجددها في تواصلها مع ثقافات أخرى ولكنها من ناحية اخرى قد تكون خطرا عليها بفعل سيطرتها وهيمنتها التي تتجه الى ان تكون غير محدودة ، من هنا تبدو اهمية هذا الجانب المأثور من الثقافة فيما ما يحمله من اصالة وعراقة يشكلان في واقع الأمر خط الدفاع القوي الذي يحفظ هذه الثقافة من الاندثار ويصونها من الذوبان في غيرها ويجدد شبابها ويعطيها طابعها المتميز المتطور الذي يضمن لها البقاء والاستمرار والتأثير

 

كنت قد كتبت مقالا بعنوان ( تغريب الذاكرة اليمنية … عدن انموذجا ) تحدث فيها عن تهريب المخطوطات والاثار من عدن ووعدت بإكماله ولم تف بوعدك؟

 

ههههه … حفظك الله … ما زلت عند وعدي وحقيقة أن هذه المقالات هي جزء من مشاريع بحثية اقوم بها بما يعرف بالدراسات الثقافية ،خصوصا فترة ما بعد الاستعمار.. آه كم عبث بنا الاستعمار وما يزال! … وبدأتها بالتساؤل التالي المشروع لماذا عدن المدينة العتيقة الضاربة في الأزل بدون مخطوطات ؟؟ وتوصلت الى نتائج مهمة ستجد طرقها للنشر

كيف تحيا عدن بدون ذاكرة، يكفي انهم سرقوا كل مخطوطاتها في العيدروس وأبان وبعض مساجد الشيخ عثمان بل حتى شواهد القبور سرقت في عدن.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى