الأدب والشعر

صحتنا النفسية

لمياء النفيعى

لمياء النفيعى

خلق الله الإنسان ضعيفًا، ومهما تعاظم وتزايدت قوته فلن يكون أقوى من الظواهر الطبيعية التي تغلبه لا محالة، وضعيف الجهل بالمستقبل وما يجري فيه، رغم محاولاته بإبراز قوته والسيطرة في المجتمع الذي يعيش فيه والعالم أجمع، والذي يفترض فيه أن يكون سويًا ويتعايش في الحياة بصورة طبيعية، ويقوم بواجباته تجاه نفسه ومجتمعه بصورة إيجابية، والانحراف عن هذا المسار يدل على وجود خلل ما يؤثر على تكوينه النفسي، وتسبب له اضطرابات قد تكون قصيرة أو طويلة المدى وتعرقل أداءه، لأنه المصدر الذي يقوم على تقدم المجتمعات ونهوضها ومن دونه تسقط في براثن الكوارث الإجتماعية، ويتدهور نظام القيم ويسود فيه الضلال.

 

كما هو معروف النفس البشرية بحر عميق في داخل كل شخص له حياته وأسراره، لا يطلع عليها أحد، ومهما اطلعت فلن تظهر كل الخفايا بل ستبقى أشياء عميقة في داخله، وسلوكه الظاهر هو انعكاس لما في نفسه، تظهر من خلال مواقف، أو متغيرات أو ضغوطات تؤثر عليه، وهذه النفس البشرية تارة تكون سهلة التقلب، أو سريعة التغير، أو صعبة الإرضاء، أو منطوية أو منفتحة، وتلك إرادة ربانية وحكمة إلهية أن لا يجعل الإنسان مرآة لما يحدث حوله بل أكرمه بعمق نفسي يستطيع تكوين شخصيته الخاصة ويحتاج إلى منهج يقومه ويهذبه ويعالج مشاكله ويدفعه للرقي والسلوك الحسن.

 

لقد سعى الإسلام من خلال تشريعاته إلى تهذيب النفس وتخليصها من نوازع الشر وجعلها سليمة، ومطمئنة قادرة على العمل الإيجابي والإصلاح المجتمعي وتأهليه لخدمة المجتمع، وتخليصه بقدر الإمكان بأن يكون فردا سلبيًا غير ذي نفع، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام قد وصف طمانينة القلب بأنها نعمة من نعم الله عز وجل والاعتناء بالنفس روحيًا واللجوء لله عز وجل عندما يشعر بالضيق والاستعاذة بالله عندما يشعر بالإحباط.

 

للصحة النفسية فوائد عديدة تعمل على نشر صورة إيجابية وتحقق السعادة والاتزان النفسي والسلوكي والحل الأمثل لجميع المشاكل الأجتماعية، وتربية جيل صحي نفسي ينشأ لديه الاستقرار العاطفي والثقة وتحقيق الترابط بين أفراد المجتمع، والقضاء على الاضطرابات والتوتر والشعور بالأمان، وضبط العواطف وكبح جماحها، والحافز الأول للفرد عند الشعور بالضغوطات الحياتية،

ويبدأ دور سلامة الصحة النفسية للفرد من الأسرة ذاتها، فالآباء والأمهات الذين يحافظون على الصحة النفسية لأبنائهم يتمتعون بالاستقرار النفسي، والشعور بالسعادة والأمان الداخلي والثقة بالنفس، ويشعر بالمسؤولية، ومن ثم يأتي دور المدرسة في تعزيز نفسية الطفل وتنمية شخصيته ومهاراته وضبط سلوكه وتوجيهه وتقويمه، ويكون هناك توافق بين الأسرة والمدرسة لتجنب الطفل من التعرض للاضطرابات النفسية، وتهيئته ليكون إنسان صالح في مجتمعه، والقدرة على تحمل المسؤولية، واستغلال طاقاته وإمكاناته واعتباره عامل مهم في قوة مجتمعه وتماسكه.

 

لذا تعتبر الصحة النفسية المحفز الرئيسي لنجاح الإنسان ومصدر سعادته والحفاظ على صحته البدنية، حيث يستطيع القيام بدوره في المجتمع بأن تكون نفسيته مستقرة ولا يواجه أي اضطرابات التي تؤثر سلبًا على ذاته وعائقًا في طريق الآخرين والمجتمع، لذا أصبحت الصحة النفسية من الأمور التي توليها الدول اهتماما خاصا، وتعمل على الاستقرار النفسي لمواطنيها الذين يكونون المصدر الرئيسي في نهوض دولهم وزيادة انتاجهم.

 

لكن هناك عوامل كثيرة أثرت على الصحة النفسية للفرد وأصبحت دخيلة على حياته وأدت إلى تدهورها، وأثرت على علاقاته الاجتماعية والبيئة المحيط به وظهرت من خلال سلوكه الشخصي ولا يستطيع كبح جماحه فتؤدي إلى عواقب وخيمة، هنا يأتي دورها بالاهتمام، وعلاج المشاكل الاجتماعية وتنمية شخصية الفرد ومعرفة الدوافع التي جعلته بهذا السلوك وإيجاد الحلول لعدم تكرارها مرة أخرى، وضبط سلوكه وتوجيهه بهدف تحقيق أفضل مستوى ليكون إنسان صالح وله دور فعال في المجتمع، ونشر برامج توعوية عن الصحة النفسية عبر وسائل الأعلام المرئية والسمعية وتقديم الرعاية الصحية والخدمات بكافة أنواعها، واستخدام أساليب مبتكرة للحد من تلك الاعتلالات الصحة النفسية ليتمتع الفرد بصحة عقلية وراحة عاطفية ونفسية واجتماعية ويعيش حياة كريمة آمنة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى