وقفة تأمل


العنود ناصر السرحان
في ليلة من ليالي الشتاء الباردة كان صوت المطر ينقر على زجاج الغرفة ، مع تيار هواء بارد مشبع بعبق الندى ، يبدو أن قرار الجلوس بجانب المدفأة مع كوب من الشاي الدافئ هو الأنسب .
جلستُ على الأريكة أمام الشرفة الواسعة أرقب بتأمل قطرات المطر وهي تنساب على الزجاج ، لحظات صامتة إلا من صوت طقطقة النار وهذا المطر في الخارج ،أنا بين هذين الضدين ، الماء والنار لكل منهما حديث خاص يميزه.
هذه النار أعطتني الدفء والنور و هي بالمقابل تأكل هذه الأخشاب و تُصيرُها إلى رماد ، لا تستطيع أن تعطي دون أن تأخذ مثل الكثير من دروس الحياة وتجاربها وعلاقاتها لابد لها من ثمن ، وقد يكون ذلك الثمن شعور أو مادة ، وقد يصل إلى تغير في مسار الحياة بأكمله ، لكنها لا تمر بدون أن تُفيدنا وتأخذ نصيبها منّا .
بعكس المطر ، الذي يعطينا ولا يسألنا شيئاً ، يعطي الجميع بلا إستثناء الأرض ، الأشجار ، الحيوانات والبشر ، عطاء المطر يعلمنا قيمة الحياة عندما نُقدمها بلا شروط ، قيمة الحياة حينما تكون في كلمةبسيطة تُحيي أمل رمّد في قلب يائس ، قيمتها في مساعدة ملهوف وجد بنا النجاة ، قيمتها في سُقيا طير أنهكه العطش أو نبتة قاربت على الذبول ، هذا العطاء بلا شروط هو عطاء حياة عندما تقدمه للغير فأنك قبل أن تُحييهم تُحيي روح في داخلك ستعرف معنى النعيم .
و العجيب أنه رغم إختلاف الماء والنار والكثير من مخلوقات هذا الكون إلا أنها تنعم بالسلام في تناغمها مع بعضها ، عكسنا نحن البشر حينما نرفض سُنة الإختلاف في هذا الكون ونضع لأنفسنا قوالب متشابهة نطالب بعضنا التقولب فيها متجاهلين أن لكل منّا دوره الذي يكمل به الأخر ، وأنه لحظة إداركنا لطبيعتنا المختلفة وتقبلها سنتناغم مع بعضنا بكل حب وتوازن ، ونكمل جمال لوحة الحياة .