نافذة على اللغة العربية
اللغة كما ورد في تقرير التنمية الإنسانية العربية عام 2003 هي أبرز سمات المجتمع الإنساني وما من حضارة إنسانية إلا وصاحَبَها نهضة لغوية وما من صراع بشري إلا ويُبطن في جوفه صراعًا لغويًّا، فاللغة هي المنظار الذي من خلاله يدرك الإنسان عالمه وهي العامل الحاسم الذي يشكل هوية هذا الإنسان ويضفي على المجتمع طابعه الخاص فالهوية نتاج المعاني التي يشيدها الأفراد عبر اللغة. والطابع الخاص للمجتمع وليد تفاعل ما يسري في داخله من خطابات لغوية ترتهن بالمتغيرات التاريخية، وتعكس كل ما تزخر به المنظومة المجتمعية من أوجه الوفاق والشقاق وبدا من الطبيعي أن ينطلق الاهتمام باللغة من واقع جهود أهلها الناطقين بها، فهي أغلى ممتلكاتهم وأبرز ملامح هويتهم وذلك يستدعي دومًا مراجعة النفس تجاه المتغيرات الحالية والمستقبلية، ضمانًا لبقائها في سياق الزحام الحضاري لتظل قوية صُلبة معبرة عن كياناتها الثقافية كما كانت عبر ماضيها، وهو ما يستدعي-أيضًا- مزيدًا من الاهتمام بها، وبذل محاولات جادة لتنقيتها من كل الشوائب التي يمكن أن تحيط بها أو تحاول إضعافها أو النيل منها تتميز اللغة العربية عن كل لغات البشر بأنها لغة العبادة ولهذا انتشرت مع الإسلام في كل شبر وصلت إليه تلك الدعوة الخالدة، واستطاعت في سنوات معدودات أن تبتلع اللغات المحلية، التي كانت تتكلم بها شعوب كثيرة وكأنها عصا النبي موسى عليه السلام، التي ألقاها أمام السحرة فإذا هي تلقف ما يأفكون وارتباط اللغة العربية بالدين الإسلامي ساعد كثيرًا على سرعة وازدياد رقعة انتشارها كما اوجد التسامح في الإسلام رابطة قوية بين اللغة والهوية الثقافية ويتمثل ذلك المبدأ الأثر النبوي الشريف الذي رواه المؤرخ والمحدث الشهير ابن عساكر:” ليست العربية من أحدكم بأبيه ولا بأمه وإنما العربية لسان فمن تكلم العربية فهو عربي” وقد ألغى الإسلام العصبيات القبلية، وقضى على التفرقة العنصرية حين ساوى بين العرب والعجم وحين أعلن النبي-صلى الله عليه وسلم- في سمع الزمان من خلال خطابه الشهير في حجة الوداع أنه لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى. وهكذا استوى تحت مظلة الإسلام سلمان الفارسي وصهيب الرومي، والعباس ابن عبدالمطلب القرشي الهاشمي.