الأدب والشعر

الصيفُ والمطر

محمد رياني

محمد رياني

قدِمتُ من الصيفِ، يقطُرُ عرَقي كالخائفِ ولستُ بخائف ، يظنوني كذلك، لم أتركِ الصيفَ إلا بعد أن سلبتُ منه بعضَ ظلالِ النباتِ الذي وقفَ للحرِّ ولكنه لم يبخل بالظلِّ الشحيح ، ارتزتْ سيقانُ الأشجارِ فتوقفتْ أوراقُها عن الحركة، استندتُ على الجذعِ لأتنفسَ وأمنحَ الشجرةَ بعضَ عرَقي ، على غصنٍ علويٍّ من الشجرةِ أخذَ عصفورٌ يغني ببطء، يبدو عليه الإعياء ، لو كان يعرقُ مثلي لأخذَ بمنقاره الماءَ المالحَ من جسدِه وازدادَ انتشاءً وسطَ اللهيب ، هكذا قلتُ، فجأةً هبطَ العصفورُ وكأنه رآني وحيدًا في الصيفِ أسلبُ بعضَ الظلِّ وشيئًا من النسماتِ الهاربةِ من اللونِ الأصفرِ الذي سيطرَ على المكان، كان لونُ الحرِّ أشبهَ بفتيلةٍ مشتعلةٍ وسطَ زجاجةٍ عملاقة، جلستُ وبجانبي خنفساءُ شاحبةٌ تعبثُ بالأغصانِ اليابسة، اشتدَّ الحرُّ أكثر، صوتُ رعدٍ من بعيدٍ اخترقَ المكان، بدأ الجوُّ يتغير، اسودَّ المكانُ من مشرقِ الشمس، اتجهَ السوادُ نحوَ الجنوب، اقتربَ أكثرَ صوبي وباتجاه العصفورِ والخنفساء، انقلبَ الجوُّ لطيفا، امتلأتِ السماءُ بالغمام ، تحركتِ الأغصان، سمعتُ العصفورُ يغردُ تغربدًا مختلفًا بعدما تركني واتجه لاحتضانِ غصنٍ في أعلى الشجرة، اختبأت الخنفساءُ في حفرتِها وأغلقتْ على نفسِها من المطر ، أخذتُ نفَسًا عميقًا والمطرُ يغسلُ ملحَ العرقِ بعذوبته ، قلتُ لنفسي : لقد أسرعتَ بالحكمِ على الصيف ، كان حارًّا ليستفزَّ السَّحابَ والغمامَ والمطر، بحثتُ عن المزيدِ من الظلال ، وجدتُها قد اختفتْ وسطَ سوادِ الغمام ، جلستُ لأتفقدَ رائحةَ جنبيَّ من رائحةِ العرق ، وجدتُ بدلًا عنها رائحةَ المطر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى