كبُرنا فجأة


فهد الطائفي
في ظلِ تسارعِ الأيامِ ، أدركتْ أنني كبرتْ!
كبرتْ ووجدتْ نفسيٌ دونَ سابقٍ إنذارٍ على مشارفِ الأربعينَ ويبدو أن الأمر مرتبكاً بعض الشي، ثمَ ما لبثت الأيام تزحف رويدا رويدا إلى دون المنحدر ،وإذا بي في سن الخمسينَ خريفاً بغمضة عينٍ !
كنت أركض لكي لا يفوتني شيء وفاتني كل شيء!
بدأتْ خطواتي تتسعُ وأنا أنظرُ إلى الوراءِ لأدرك أنني كبرت فجأةٌ ؟
يا للهِ .
لمْ أسمعْ عنْ هذهِ الأرقامِ يوما ! ولمْ أتخيلْ أنها ممكنةٌ ، لقدْ بدأتْ أشعرُ بالذعرِ حقا ، عندما لاحظتْ أنَ بعضاً ممنْ حولي ينادونني ” يا عمُ ”
ومما زادَ الأمرُ سوءا بداخلي ، عندما أصبحَ كثيرٌ منْ الشبابِ المهذبِ يقبّلُ رأسي ! ويقدمني في ” صفِ الطابورِ ” كيْ أقفَ مكانهُ .
وجهي يتصببُ عرقا يا أصدقائي!
يا للعجبِ !
هلْ تصدقونَ أنَ شهامتي كادتْ أنْ تجلبَ لي السخفُ والسخريةُ ذات نهارٍ ! عندما هرعتْ لحملِ حقيبة مسنةٍ منْ أسفلِ سُلّمِ الطائرةِ لكيْ أوصلها إلى الأعلى ، ثمَ ما أنْ وصلتْ المنتصفَ وإذْ بي أبحثُ عمنْ يتقاسمُ الحمل معي .
كيفَ كبرنا فجأةٌ !
كيفَ سرقَ الزمانُ أعمارنا على حينِ غرةٍ !
كيفَ داهمني العمرُ ورفاقي ؟
أحكي لكمْ عنْ صديقي في المدرسةِ ” عبدَ العزيزْ ” ذلكَ الصبيِ المفعمِ بالحيويةِ والعنفوانِ ، كانَ بالأمسِ طفلاً ننشدُ سوياً على مسرحِ المدرسةِ : أحبَ الوردُ والزهرا ، أحبَ الماءُ والشجرا ، أحبَ الجوُ معتدلاً ، أحبَ الشمسَ والقمرا .
وجدتهُ في العامِ المنصرمِ “مصادفةِ ” وهوَ يصلي على كرسيٍ وقدْ شابَ رأسهُ ، وتلك الغمامة السوداء تحت عينيه وكأنهُ بلغَ ذروةَ العمرِ وبالكادِ ينحني.
لقد أبدع الزمان في تغيير ملامحه ، لقد تضعضع.
ما لذي حصلَ ؟
سرعانَ ما كبرنا ، لدرجةَ أننا لا نتذكرُ ولا ندري .
إنَ أشنعَ لحظاتِ الإدراكِ ما ذكرهُ الأديبُ الدكتورُ أحمدْ خالدْ توفيقْ يوم قال : ( حينُ ترى فتاةَ حسناءَ ، فتتوددُ لها ويكونَ أولَ لقبٍ تناديكَ بهِ هوَ “يا عم ” هذهِ أقربَ لصفعةٍ على وجهكَ بلا شكٍ ) ، حينها تبتلعُ لسانكَ وتفضلُ الصمتَ .
أصبحنا نخافُ منْ السقوطِ والتعثرِ أكثرَ مما مضى ،تعرفنا على وجه المواقف ، لأننا على درايةِ إن تعثرنا في هذا السنِ لنْ ننهضَ !
لقد رحلتْ الأيادي التي كانتْ تسندنا.
وبالرغم من ذلك لا يزالُ يجولُ في خاطري نفسَ السؤالِ ،يتطفل على ذهني بين الفينة والأخرى ، وهي دعوة إلى التفكر والنقد وإعمال العقل لا أكثر، جهد المقل ولهفة الظامئ ولك الحق أن تنكره.
كيفَ كبُرنا فجأةٌ ؟
وكيفَ نتقبلُ تداعي حواسنا الواحدةِ تلوَ الأخرى ؟
كيفَ تسربتْ منا التفاصيلُ ، منْ سمحَ للوقتِ أنْ يمضيَ ؟
فاللهم باسمك الأعظم نخوض السنين القادمة آملين أن لا نتعثر.
دمتمْ بخير