عبور
سيد جعيتم _ جمهورية مصر العربية
يدفع به جفاف الحاضر، ليبحر في ينابيع الماضي.
تتقلب الصور أمامه مشوشة نتيجة لاهتراء ذاكرته.
الحديث المعتاد لمن حوله يتسلل لأذنه:
قلبوه في مرقده كل ساعتين، احترسوا لوصلات أجهزة الإعاشة.
صوت نسائي جميل يألفه يناديه:
ـ بابا.
يرتاح للصوت، لكنه لا يعرفها، يمر بخاطره سؤال:
ـ من أنا ومن صاحبة الصوت.
يراقب صورة تجاهد للخروج والتجسد أمامه، لكن هزمها
ضباب، فتعود تلوذ بحضن الذاكرة النائم.
القيود حوله تعتصر روحه تمنعها من الانطلاق لرحابة الرحمة.
بداخله بئر أحزان، يشتد به الشوق إليها، يسأل صورتها المتوارية:
ـ بربك من أنت؟ اشتاق إليك وأحن لصوتك، ولعبير أنفاسك، فكيف لا أعرفك؛ أين ذهبت بصيرتي .
تعود أصوات من حوله لأذنه :
ـ يتعذب من سنوات، لا أمل من عودته من غيبوبته ميت إكلينيكي، الأجهزة تجعل قلبه ينبض، قرح الفراش توغلت في جسده.
يشعر بوخز رفع الأجهزة من أوردته، تسللت نسمة هواء تتسلل لصدره.
صوت أحدهم متعجبًا:
– خيل إلى أن أصابعه تحركت.
يرد صوتًا آخر:
ـ قد تكون صحوة الموت.
يجاهد دمي للسير، في أوردتي الوعرة، و ليزيح الضباب عن صورتك، يصرخ دمي باسمك (سماح).
تنتفض نبضاتي، تزيح غبار السنين عن شغاف قلبي، ابحث بين جنبات الحنين خلف أحزان الذاكرة.
وجدتك كما أنت ندية آية من الجمال، بصوتك الحبيب تعاتبينني:
ـ حبستني بين صفحات ذاكرتك، في سجن موحش ونسيتني…
ـ عتابك يمزق نياط قلبي .
ـ هرمت كست وجهك التجاعيد وغزا البياض شعرك ،
يبدوا عليك الجفاف.
ـ لثمة من ثغرك ترويني وتزيح عطشي، تعيدني للحياة .
ـ أنت سجاني.
ـ بل أنا سجينك.
خفت الأثقال عن كاهلي الممد، صعدت إليك حبيبتي للبراح، بين سحب بيضاء.
.