مقالات

ألا بذكر الله تطمئن القلوب

شيخة الدريبي

شيخة الدريبي

نحن في هذه الحياة حيارى محزونون، وأحزاننا موجعة، وسنبقى نتخبط ونتيه في دَياجِر الظلام؛ طالما أننا بعيدون عن النور الذي يُضيءُ أَرواحَنا، ويجلي أحزاننا، ويَشرح صُدورنا. من عرف الله حقاً تغير حاله؛ لأن الإيمان إذا لامس شغافُ القلب حوله من حالٍ إلى حال. من فقد الله فقد كل شيء.. ستشعر بالغربة والوحشة ولو كنت في وسط العالم؛ لأن العين لا تُبصر إلا ما تراه، وإذا وجدت الله وجدت كلّ شيء.. الأنس بالله، الطمأنينة، السكينة، السلام، ستخرق روحكَ الحجب؛ لأن الإيمان سيكون متوهّجاً نورانياً.ستشعر بالرضى ولو حزت القليل، ولن تُغريك زينة الحياة الدنيا ولو أتتك راغبة. التعلّق بالله هو الرجاء الذي لا ينقطع، والأمل الذي لا يخيب، والطمأنينة التي تؤنس القلب، قال تعالى: “وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ”(النور:40) فإذا في القلب وحشةٌ لا يزيلها إلا الأنس بالله، وإذا في القلب خوف وقلق لا يَذهب إلا بالفرار إلى الله، وإذا في القلب حسرةٌ لا يطفئها إلا الرضا بالله أفرغ قلبك من الخلق، واجعل الله نور لك في حياتك، اجعل بينك وبين الله، علاقة، سريرة، لا يطّلع عليها أحد..

 

كلما أصابك غمّ أو همّ، أو تمنيت شيئاً التجئ إليه، عندما تبتئس أو تضيق بك الحياة اعتزل العالم، مُحيطك، بيتك.اذهب إلى مكان لا يعرفك فيه أحد، أو اختلي في غُرفة صغيرة تجمع بها روحك المبعثرة، وأقم في الثلث الأخير من الليل تخلو بربك في سكون الليل هنا وفي هذا المكان وهذه اللحظات يجب أن تتعرى من كل شيء! تعرى من روحك، وحقيقتك من حزنك وفرحك كُن على سجيّتك أعد صياغة حياتك ضع جبهتك على الأرض أذرف الدموع، قل يا الله أنا ضائع في بيداء الحياة، رُوحي مُمزّقةٌ وذُنوبي عَظُمَت، إلهي من لي سواك أَرْتَجيه وألوذ به.تخيل ما أجملها من لحظات وأنت واقف بين يديه تذرف الدموع وتُلح عليه في الدعاء، تخيل في هذه اللحظات أن الله ينظر إليك، واللهِ إنّها لسعادة لا يعلم بها إلا من ذاقها. قيل للإمام أحمد، كم بيننا وبين عرش الرحمن؟ قال: دعوة صادقة من قلب صادق.فالحياة مع الله تعني الراحة، اليقين، الأمل انشراح الصدر، كن مع الله بين الحب والخوف والرجاء. هذه الحياة قصيرة، عشها وأنتَ مُوقِنٌ كل يوم أنك راحل، عشها بالأمل بالحب باليقين، اجعل الله غايتك ونصب عينيك، وأنيسك. فالأنس بالله مقام عظيم من مقامات الإحسان فكلما هممت بأمر قل يا الله من لي سواك، لا تقطع الصلة به؛ لو تخلى عنك الجميع، وتآمر عليك القريب والبعيد، قُلْ من حنايا قل ودقات روحك يا الله أنا بك أقوى، وعليك أتوكل، وبك ألوذ.لن ينسى الله دعاءً ولادموع ذرفت من أجله، كُن على أمل أن الله يراقب حزنك، أنفاسك، خلجات قلبك، لا يريد لك إلا أن تكون مرتاح الضمير، نقيّ السَريرة..

 

أن النفس البشرية بطبعها تميل إلى الدنيا وشهواتها، إلى الراحة لا تحب الجد في الأمور، ولا تُطيق التكاليف والمكابدات، وقد يبتلي الله تعالى عبده ليتضرع إليه ويلجأ إليه، ويلح عليه في الدعاء، فيسمع دعاءه وتضرعه ومناجاته. بل أن الله تعالى يحب العبد اللحوح في الدعاء، والله تعالى لا يمل من دعاء العبد له، بل يفرح برفع أكف الضراعة إليه وكثرة الدعاء وتكراره تأكد أن الله سيفتحُ لك باباً كنت تحسبهُ من شدة اليأس لم يُخلق بمفتاحِ قد يخذلك كل الناس حَتَّى الذين كانوا قريبين من أنفاسك، حينها لن تجد إلا الله الذي سيجبر خاطرك، ويزيل الأوجاع عن قلبك، ويُذهب عنك الهموم والأحزان. كن دائمًا قريبًا منه في خلواتك في سجودك، حتى وأنت في أحلك الظُّروف، نحنُ ضعفاء، مساكين،نعتقد أننا امتلكنا العالم، ولا نعلم أننا من طين، يُوجعنا صغير الشوك، ويُغْرقنا قليل المطر. نحن بحاجة إلى القلوب التقية، والأرواح الندية، والعيون البكيّة، إلى المدد إلى النور، إلى اليقين، إلى الطمأنينة، إلى صفاء السريرة، إلى من ينشلنا لترتقي أرواحنا، وتعانق السماء بطُهْر ونقاء ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى