اللون الأزرق النادر
لمياء عبدالله النفيعي
—————————————
ثفافة وفنون
المنطقة الغربية
هل لاحظت أيها القارئ الطبيعة مما حولك بأن اللون الأزرق من أندر الأصباغ الموجودة بالرغم أنه اللون أكثر شيوعًا في العالم، بالتأكيد يوجد زرقة سماء، وزرقة البحر، ولكن هل سبق رأيت الزهور الزرقاء التي كانت نادرة الوجود ولكن اليوم يمكن إيجادها في زهور اللوتس والاوركيد وغيرها ، وهل خطفت أنظارك فرشات زرقاء اللون، وهل لاحظت أيضًا ندرة النباتات، والحيوانات الزرقاء إلا قليل، وكذلك الطيور الزرقاء التي تعيش في محميات.
قد يتساءل البعض منكم عن سبب استخدام أغلب شركات التكنلوجيا الكبرى للون الأزرق في شعاراتها مثل “الفيسبوك” و”تويتر” و”جوجل” و”آبل” ومايكروسوفت” وغيرها من الشركات المعروفة، لأنه ذات شعبية في أوروبا منذ القدم ويعتبر اللون المفضل لديهم، ويعد الملك الكلاسيكي للألوان ورمز للثقة والهدوء ويمثل الذكاء والمسؤولية والاستقرار.
ولكن هل قد سبق سألت نفسك أيها القارئ من أين جاء هذا اللون الأزرق أو بالأحرى كيف تم اختراعه؟ الذي يعتبر من أندر الألوان وأثمنها على الإطلاق، حتى أن بعض الفنانين القدماء دخلوا في ديون بسببه.
تم اختراع هذا اللون في عهد المصريين القدماء لأنه في العقيدة المصرية كان اللون الازرق هو لون الحياة والخصوبة والبعث وكان حجر “اللازورد” أحد الاشياء الزرقاء الطبيعية التي تمكن المصريون من الوصول إليها حيث كانوا يستوردونها بواسطة قافلة عبر الصحراء من أفغانستان إلى مصر وكانت مكلفة للغاية وهو حجر شبه كريم يتم طحنه إلى مسحوق واستخدامه للتلوين، مما جعل المصريين بإنتاج صبغة زرقاء اصطناعية بتكلفة معقولة وذلك حوالي 2200 قبل الميلاد حيث خلطوا حجر جيري بمعدن يحتوي على نحاس ثم وضعوا المحلول في درجة حرارة عالية كانت النتيجة هي لون أزرق خاص بهم يسمى “الأزرق المصري” حيث كانوا يزينون بها التوابيت والتماثيل والخزف واللوحات والقبور وورق البردي التي بقيت حتى يومنا الحاضر.
انتشر تصنيعه خارج مصر وتم العثور عليه في العديد من التماثيل اليونانية والرومانية، وكان لون ملابس الطبقة العاملة، وكانت توجد لوحات جدارية من السماء الزرقاء اللامعة.
أما في العصر الإسلامي كان اللون الأزرق ذا أهمية ثانوية للأخضر وكان يستخدم على نطاق واسع لتزيين واجهات ومساحات داخلية للمساجد والقصور من إسبانيا
إلى آسيا الوسطى.
وخلال العصور الوسطى انتقلت تلك الصبغة إلى أوروبا من قبل التجار الإيطاليين خلال القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث كان مطلوبًا للغاية بين الفنانين من أجل استخدامه في الرسم الذين كانوا يعيشون في عصر النهضة، ولا يحصل عليه إلا شخص ثري لأنه باهظ الثمن حتى الرسام “مايكل أنجلو”لم يستطع تكملة لوحته لعدم قدرته لشراء المزيد من اللون الأزرق ، والرسام الفرنسي “يوهانس فيرمير” أحب اللون لدرجة انه دفع عائلته للديون، وظل اللون الأزرق مكلفًا للاستخدام في اللوحات والخزف، حتى ظهور صبغة زرقاء جديدة تسمى “النيلي” تم استيرادها تجارة المنسوجات الاوروبية في القرن السادس عشر من آسيا وتميزت بلون أكثر تركيزًا.
ثم أصبح خلال فترة زمنية اللون الفخم للملوك وأمراء أوروبا، حيث ظهر ملك فرنسا لويس التاسع بلباس أزرق اللون مم قلده النبلاء الآخرين وأصبح شعار النبالة لملوك فرنسا واللون الملكي ولون الأثرياء والأقوياء في أوروبا وكانت صباغة القماش الأزرق تخضع لترخيص من التاج أو الولاية.
في بداية القرن العشرين أدرك العديد من الفنانين القوة الزرقاء العاطفية وجعلوها عنصرًا أساسيًا في لوحاتهم، وفي منتصف القرن العشرين مزج الأزرق باللون الاسود وصار أكثر شيوعًا لبدلات رجال الأعمال والقادة السياسيون، وفي عام 1837م ظهور الجنيز الأزرق وأصبح جزء أساسي من صيحات الموضة، وتم اعتماد اللون الأزرق في المنظمات الدولية “الأمم المتحدة “و اليونسكو” وغيرها لأنه لون موثوق به ويدل على الأمن، حتى أن اللون الأزرق ارتبطت بالشبكة العنكبوتية العالمية وأصبح لون قياسي لجعل وجودها داخل النص واضح للقراء.
اليوم أصبح اللون الازرق وأصباغه لون أساسي في يومنا هذا رغم أنه كان نادرًا ومكلفًا فيما مضى، وعلى حسب استطلاعات الرأي ينظرون للون الازرق بأنه رمز الهدوء والقوة والغموض والبراءة وإشارة للاستقرار والثقة أو الدلالة على الحزن والعزلة.