مقالات

وجه الحقيقة..الطريق إلى الإشارة ؟!

إبراهيم شقلاوي

إبراهيم شقلاوي

تتسارع الأحداث العسكرية في السودان في الآونة الأخيرة ، حيث تتركز الأنظار على محور محلية بحري الذي يعد أحد المفاصل الحيوية في معركة الخرطوم . إن عملية تحرير بحري وفك الحصار عن سلاح الإشارة ، الذي تعرض للحصار منذ بداية الحرب في أبريل 2023 ليست مجرد تحرير مدينة أو استعادة لموقع عسكري . بل هي خطوة استراتيجية محورية قد تشكل نقطة تحول جوهرية في توازن القوى العسكري في العاصمة . تعد هذه العملية أحد محاور العمليات الاستراتيجية التي يسعى من خلالها الجيش السوداني إلى كسر حلقة الحصار التي فرضتها القوات المتمردة على سلاح الإشارة . كما تهدف إلى إعادة هيكلة شبكة القيادة والسيطرة (C2) التي تعتبر العنصر الأساسي في أي عملية عسكرية ناجحة .

إن فك الحصار عن سلاح الإشارة والذي يعني بالضرورة تحرير مدينة بحري ، يعكس تحولًا تكتيكيًا مهمًا. منذ ان بدأت القوات في عبور جسر الحلفاية واتجهت من الشمال إلى الشرق والجنوب ، بدأت الانظار تتجه إلى هذا المحور المهم ، مما أتاح خروج قاعدة حطاب من الدفاع إلى الهجوم . تعد هذه الخطوة أكثر من مجرد استعادة المدينة أو إحكام للاتصال بين الوحدات العسكرية . فهي تعني أيضًا إعادة السيطرة منطقة حيوية ظلت تتحرك فيها المليشيا بحرية تامة بجانب إعادة فاعلية العمود الفقري للجيش السوداني في الاتصال والسيطرة والركيزة الأساسية لنجاح أي عملية عسكرية معقدة .

لذلك يعد سلاح الإشارة، رغم تصنيفه كـ “سلاح فني”، له دور بالغ الأهمية في الحرب . فهو يضمن تواصل القيادة العليا مع الوحدات الميدانية . كان الحصار الذي فرضته مليشيا الدعم السريع على سلاح الإشارة بمثابة شلل لقدرة الجيش على تنفيذ عمليات منسقة بالرغم من الاستعواض الذي أجراه الجيش باستخدام خطط بديلة . يُعد الاتصال والتنسيق بين الوحدات أحد أركان الحروب غير المتناظرة ، التي تركز على استغلال الثغرات والتعامل مع تحديات التكتيك في مواجهة المليشيا .

إن إستعادة سلاح الإشارة الذي بات قريبا يعزز قدرة الجيش السوداني على تنفيذ عمليات التفوق في القيادة والسيطرة . كما يمنح الجيش مرونة أكبر في الانتقال بين العمليات الهجومية والدفاعية . ورغم أن الجيش قد أجرى عمليات استبدال ناجحة لضمان كفاءة الاتصال الميداني ، فإن فك الحصار عن سلاح الإشارة يمثل إعادة تشكيل للصورة التكتيكية حيث يتيح هذا التحرير للجيش السوداني التحكم الميداني وسط الهجمات المتنقلة من المليشيا ، وهو ما يحد من قدرتها على التحرك الاستراتيجي والتحصين الدفاعي في الخرطوم . حيث يستفيد الجيش السوداني من التكتيك الذي استخدمه في تجربة تحرير أم درمان ، الذي تم فيه تطبيق العمليات المتوازية والهجمات المتزامنة على نقاط الحصار ، باستخدام الاسلحة المعاونة المدفعية والمسيرات مما أظهر فعالية القتال المركب في فك الحصار عن سلاح المهندسين .

من المحتمل أن يؤدي فك الحصار عن سلاح الإشارة إلى تأثيرات نفسية ومعنوية كبيرة على مليشيا الدعم السريع . فقد أظهرت التجارب العسكرية أن قطع التواصل بين القيادة العليا للمليشيا والوحدات الميدانية يمكن أن يؤدي إلى تفكك داخلي في صفوفها ، خاصة أنها تعتمد على الفزع الأعمى في إدارة عملياتها . لذاك فإن انقطاع الاتصال سيزيد من حالة عدم اليقين لدى قادة المليشيا ، مما يفتح المجال لانهيار القيادة والسيطرة داخل صفوفهم .

لذلك فك الحصار عن سلاح الإشارة في بحري يحمل أهمية استراتيجية داخليًا وخارجيا . داخليًا، يعزز هذا الانتصار من القدرة المعنوية للجنود والمجتمع السوداني ، مما يترجم إلى دعم أكبر للجيش في عملياته المقبلة . أما على الصعيد الخارجي ، سيظهر للعالم أن الجيش السوداني قادر على إستعادة السيطرة على الأراضي الحيوية في الخرطوم ، مما يعزز موقفه على الساحة الدولية ويجذب المزيد من الدعم الإقليمي والدولي . ويخرج بعض الدول من المنطقة الرمادية فيما يخص موقفها من الحرب في السودان . كما يمكن أن تفتح هذه الخطوة الباب لتقديم دعم فني ولوجستي من المجتمع الدولي ، مما يمهد الطريق لإعادة الإعمار والتقدم نحو الاستقرار السياسي في السودان .

بعد تحرير سلاح الإشارة في بحري ، سيواجه الجيش السوداني مرحلة جديدة تتمثل في تحقيق التفوق الكامل على مليشيا الدعم السريع في الخرطوم ، مما يساعد في تسريع العمليات العسكرية في محور ولاية الخرطوم . ويفتح الطريق لفك الحصار عن القيادة العامة للجيش التي تقع في قلب العاصمة وكذلك المطار في ذلك نذكر محور العمليات في منطقة المقرن الذي يجري تكتم علي حركته بالإضافة الي محور المدرعات المنفتح في حدود المسؤولية .

مع تراجع قدرة “مليشيا الدعم السريع” على مقاومة الجيش ، ستتقلص رقعة سيطرتها ، ما يُسهم في استعادة الخرطوم تدريجيًا . في هذا السياق يجب على الحكومة السودانية اتخاذ خطوات استراتيجية لضمان استدامة الانتصار ، مثل الاستعداد لإعادة البناء والإعمار وعودة المواطنين. كما ينبغي الدخول في مرحلة سياسية شاملة لتأسيس الدولة السودانية الحديثة .

بناءً على ما تقدم وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة يُعتبر تحرير محلية بحري وفك الحصار عن سلاح الإشارة نقطة تحول حاسمة في مسار الحرب في الخرطوم وربما في السودان قاطبة . فهذه العملية التي تمثل استعادة القدرة على القيادة والسيطرة ، تفتح الطريق أمام الجيش السوداني لتحقيق الهيمنة العسكرية على العاصمة . ومع استمرار عملية الاستنزاف وتوسيع السيطرة العسكرية ، قد يشهد السودان تحولات استراتيجية تمهد لإعادة بناء النظام السياسي في البلاد ، استنادًا إلى موازين القوة التي تترسخ في ساحات المعركة .

دمتم بخير وعافية .

الخميس 26 ديسمبر 2024 م Shglawi55@gmail.com

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى