الأدب والشعر

أمي أنا هنا .. !..الجزء الثالث والأخير

مريم دغريري

مريم دغريري

ماذا حدث في قبو منزل جمال قبل الحفلة بيوم ؟

لقد كان كل يوم يعود أحمد و سعاد إلى منزلهما وهما متعبان من المشاركة في التنظيم بمنزل جمال من أجل حفلة أنس و في إحدى الليالي كانت تفكر سعاد بعد أن استلقت على السرير و تقلب بصرها في سقف الغرفة

قالت : أحمد إذا كان زين مازال حياً هل سوف يكون الآن بعمر أنس و كنا سوف نحتفل به مثل أنس و بدأت بالبكاء ..

قال: أحمد صحيح لكن هذه أقدار الله هو الذي عوضنا بأنس حتى يكون مكان زين و لاتنسين جمال و فاطمة بالنسبة لنا إخوة ليس جيران فقط أليست هذه نعمة أصبحت عائلتنا الصغيرة كبيرة كفي عن البكاء و فكري معي ماهي الهدية المناسبة التي سوف نقدمها إلى أنس بعد غد في الحفلة ؟

قالت : سعاد إنه يحب الريف جداً عندما كنا نذهب معاً إلى هناك كان يحزن عند عودتنا ثم نظرت  إلى أحمد و أغمضت عينيها ، و ابتسمت استغرب أحمد

فقال : أفصحي ماذا تريدين أن نقدم له ؟؟

قالت : هل سوف توافقني على ما أريد قال : ومنذ متى ياعزيزتي خالفتك في أمر ؟

قالت : نشتري منزل في الريف و نقدمه هدية  له ضحك أحمد

و قال : هل هذا الصمت الطويل من أجل هذا الطلب هيا إلى النوم غداً إجازتي سوف نذهب بعد الفجر مباشرة نتجول بحثاً عن منزل لولدنا  أنس ،ورفع صوته كم انت محظوظ ياأنس أمك سعاد تحبك أكثر مني و انفجر الإثنان بالضحك و بدأت في الصباح التالي رحلة البحث عن منزل أنس في الريف الذي كان يبعد مسافة 40كلم عن سكن الأسرتين وبعد أختياره عاد أحمد وسعاد للمساعدة في استكمال التحضيرات للحفلة و لم يتم الإفصاح عن سبب غيابهما طوال اليوم ..

عند عودتهما بحث أحمد عن جمال قيل له إنه في القبو يبحث عن مقص الأشجار ذهب أليه فوراً

قال : ماهذا  ياجمال كل هذه الأغراض القديمة تحتفظ بها لماذا  ؟

أجابه : جمال أنت تعرفني يا أحمد إنني أحب الأحتفاظ دائماً بالأشياء القديمة فهي تذكرني بالماضي أنظر هذه ألواح رسم عندما كنت في المدرسة كانت هوايتي الرسم أنظر هنا هذا الصندوق به لوحات قمت برسمها بعد تخرجي من الجامعة ..

قال أحمد :  إنها جميلة جداً لكن لماذا لم تخبرني بها و أنك تحب الرسم .؟

قال : جمال يا أخي إنه أصبح ماضي وبكى سأله  مابك ياجمال لماذا هذا البكاء ؟

قال جمال : لقد كان لي ولد جميل يبلغ من العمر أربعة أعوام عندما ذهبنا في رحلة إلى البحيرة كان الجو جميل وأردت أن أرسمه و البحيرة خلفه تماماً وضعته على الأعشاب القريبة من البحيرة ، وأخذت لوح الرسم ، وابتعدت قليلاً ارسمه بتلك الإبتسامة  التي كانت على وجهه وهو يلعب بالألعاب التي اشتريتها له في طريقنا إلى هناك وكانت فاطمة تقف خلفي و تشير إليه أنظر هنا. أنس و فجأة ظهر تمساح كبير من البحيرة وأبتلعه ورجع إلى البحيرة كنا في ذهول من هول المنظر والناس حولنا يصرخون وأنا وفاطمة كأننا نعيش خيال ليس حقيقة ولقد تجاوزنا تلك الذكريات بصعوبة ثم جاء أنس الجديد الذي أسميته على إسمه ومن بعدها لم أحمل ريشة الرسم في يدي كلما حملتها يظهر المشهد مجدداً أمامي…

أحتضن أحمد جمال بشدة و قال : أهدأ يا أخي لاعليك أعتذر أنني ذكرتك بالماضي والحمدلله الله عوضك  بأنس الثاني والآن أصبح رجل هيا اليوم الاحتفاء  بالدكتور أنس لايجب أن نظهر حزن الماضي أمامه ..

وأثناء خروجهما من القبو تقدم جمال بالخروج مسرعاً حيث كان أحد عمال النظافة بالحديقة يريده لأمرما وأحمد كان خلفه اصتد مت قدمه بصندوق من الصناديق وانتثرت محتوياته أمامه داخل القبو ذهل من هول  مارأى داخله و انحنى على ركبته  يقلبها في صدمة ثم أعادها إلى الصندوق وأعاد الصندوق مكانه وخرج وهو ملتزم الصمت..

قال له جمال : مابك يا أحمد؟ وأحمد لايتكلم و صرخ بوجهه قل يا أخي مابك

أجابه : إنني أشعربوعكة صحية أريد العودة فقط إلى منزلي لكي أرتاح.

قال جمال : لا بل أخذك إلى المشفى.

قال: لا أرجوك يا جمال أريد الذهاب إلى المنزل

قال جمال : كماتريد يا أخي و لكن المساء سوف تكون هنا قبل حضور الضيوف إن لم تأتي سوف يحزن أنس اكتفى أحمد بالصمت ولم يرد.

ثم دخل أحمد منزله وأغلق الباب خلفه و وقف بظهره على الباب من الداخل و الدموع تنهمر بغزارة من عينيه رأته سعاد وهرعت إليه مابك يا أحمد؟

قال : أريد أن أستلقي على السرير أشعر بالتعب الشديد ولا أستطيع الكلام .وبقي يفكر بصمت ثم أتصل بصديقه وصديق جمال وهو جارهما المحامي هشام حيث كان يعمل في المدينة و طلب مقابلته .

أجابه هشام : سوف أحضر إليك فاأنا اليوم هنا بالقرية في إجازة أنا والعائلة

قال : أحمد لا بل أريد مقابلتك خارج منزلي لا أريد سعاد أن تسمع الحديث الذي سوف يدور بيننا.

قال هشام : خيراً إن شاء الله سوف نتقابل في المقهى وفي أثناء اللقاء بعد السلام بينهما ظل أحمد صامت ودموعه تنهمر قال هشام: أحمد مابك ياصديقي ؟

قال أحمد : أكتشفت أمر صدمني في قبو جمال

وهو صندوق به دمى ورسائل ضحك هشام وقال : وما الغريب في ذلك إنك جمال تعرفه يحب العيش في الماضي لذلك يحتفظ بكل قديم لديه من أيام الدراسة حتى الآن ..

قال : أحمد لا إن الدمى والرسائل المرافقه لها بالصندوق كانت هي ذاتها التي كنا نحضرها أنا وزوجتي سعاد للمكان الذي فقد فيه ولدنا زين كل عام ، والرسائل نفسها بخط سعاد كانت تكتب بها عبارات لزين

قال : هشام يارجل هل تعلم ماينطق به لسانك أمامي أم لاتعلم هل تريد أن تخبرني أن جمال هو وراء إختفاء ابنك؟!

قال : لم أقل ذلك ولم يذهب تفكيري إليه و لكن أريدك أن تساعدني في فهم هذا الموقف فقط لكي تريحني من هذا العناء الذي أشعر به بعدما رأيت مارأيت في منزل صديقي وأخي جمال  ..أخذ هشام محمولة وأتصل بشخص أهلاً وسهلاً كيف حالك الحمد لله وأنا كذلك بخير أريدك أن تحضر إلى المقهى من أجل أمر لن تتأخر دقائق فقط ياصديقي ثم أغلق المحمول ووضعه على الطاولة قال : أحمد بمن أتصلت .. أبتسم هشام وقال :أصبر سوف تعرف عندمايأتي …وفجأة إذا بجمال يدخل المقهى ويسلم عليهما ويجلس معهما على نفس الطاولة وأحمد نظر إلى هشام

و قال : هشام هذا من أتصلت به..

قال هشام : نعم.

قال جمال :خيرا ماذا تريدان وأنتما تعلمان أنني منشغل اليوم في حفلة ولدي أنس .؟

قال هشام لن نأخرك عن عملك ولكن لدينا أمر أنت تعرفني صريح جداً وجميعنا في الحارة نعلم بأن أحمد جاء إلينا وهو فاقد إبنه منذ سنوات وأنت فقدت إبنك الأول ثم أتيت إلى هنا ومعك إبنك الآخر أنس ..

فقال جمال : ماذا تريد أن تقول ياهشام ؟

قال هشام : كن صريحاً معي ياجمال هل أنس الجديد إبنك حقاً..

وقف يصرخ إن لم يكن أنس إبني ابن من تعتقد ..

قال هشام :أصمت وقل الحقيقة فقط فإنني أريد أن أعرف هدأ جمال وعاد مره أخرى للجلوس معهما وبدأ بالبكاء قال :لا ليس إبني بل وجدته على طريق القرية المجاورة و كان يصرخ وحيداً في سيارة و أخذته من السيارة وركبت دراجتي الهوائية وانطلقت بعيداً حيث غيرت إتجاه سيري حتى لا أجد أحد والديه أمامي على الطريق ثم رجعت إلى المنزل وطلبت من زوحتي الاعتناء به حينها مازلنا نتألم على فقد ولدنا و سافرنا إلى المدبنة حتى نختفي عن الأنظار ، و أسميته أنس على أسم إبني وكان في نفس عمره ، وقمت بتزوير أوراق ثبوتية له بأسمي.

أنهار أحمد بالبكاء وسقط على الأرض يصرخ إنه إبني زين زين.

قال جمال : كيف عرفت إنه إبنك يا أحمد إنه ليس إبنك أنا أعترف أنني أرتكبت ذنب و خطفته من سيارة تقف على الطريق ..

قال أحمد : بل إبني والدليل في قبو منزلك صندوق الدمى والرسائل حتى أن بعض الدمى منقوش عليها أسم زين بكى جمال وحضن أحمد سامحني يا أخي لا أعلم إنه إبنك قد كنت أذهب لنفس المكان وأجدها وأجمعها بالرغم أنني كنت خطفته ، و عشت معه على إنه إبني إلا أنني كنت أشعر بألم وأريد أن يعود إلى أهله بعد أن يكبر في كل مره عندما كان صغيراً كانت تنصحني فاطمة بالذهاب لمركز الشرطة لتسجيل بلاغ لديهم ولكن كنت أعارضها ليس الآن عندما يكبر و يصبح رجلاً نتقدم بالبلاغ وسوف أنال العقوبة التي استحقها. والآن كيف يمكن إخباره بالأمر ؟

قال هشام : أولاً نذهب الآن إلى منزلك نحضر الحفلة ولانخبر أحد بهذا الأمر بعد الأنتهاء تخبر ياجمال أنس بكل شي ثم تذهب معنا إلى مركز الشرطة حتى تتم كافة الإجراءات القانونية اتفق الجميع وذهبوا إلى بيت جمال وبدأت الحفلة كان الجميع سعداء إلا جمال وأحمد كانت الدموع تسبق صمتهما وهما ينظران إلى أنس وبعد الأنتهاء من الحفلة تم أخذ أنس إلى خارج المنزل بعيداً عن فاطمة وسعاد وتم أخباره وفقد و عيه ونقل إلى المشفى وبعد أستعادته لوعيه كان ينظر إليهما و يبكي أبي أنت لست أبي

عمي أحمد هل حقاً أنت أبي؟! وضجت الغرفة بالبكاء وتركهم هشام وخرج وأغلق الباب عليهم ،وظل يبكي عند باب الغرفة ثم أتصل زين  بأمه سعاد أول كلمة قالها ” أمي أنا هنا..! ” و لم يكمل المكالمة و هو يبكي وأخذ أحمد المحمول من يد أنس وأخبرها بكل شي ..

صدمت و لم تستطع الوقوف رأتها فاطمة وأجلستها على الأريكة وبدأت بالبكاء والصراخ إبني ..

وبعد الصبر والعناء عاد زين إلى أبويه بعد أن تأكد الأطباء من نتيجة التحاليل التي أثبتت إنه إبن أحمد و سعاد ولم تفترق العائلتين رغم انتقال زين إلى منزل أحمد وزادت العلاقة بينهم …

 

النهاية

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى