خواطر إبن سريد ..د .عبدالله بلقاسم


فايل المطاعنى
يحكي د .عبدالله بلقاسم ويقول
في أواخر عمر والدي (رحمه الله وجميع المسلمين)، ذهبنا لإحدى العيادات الخاصة في جدة، وفي مواقف السيارات، كنا نحاول مساعدته في النزول ووضعه في عربة الركوب، إذ لم يعد قادرًا على المشي.
كان معي إخوتي، نشفق عليه ونخشى أن نؤلمه بحمله، وبينما نشعر بالحيرة والتوتر، مرّ شاب ذو جسد رياضي. رآنا ملتفين حول والدي، فتقدم بلطف وقال لي:
هل يمكنني مساعدتكم؟
قلت: تفضل.
فطلب منا أن نتأخر جميعًا.
تراجعنا، فتقدم بهدوء، وحمله برفق وسهولة بين يديه، رغم أن والدي رحمه الله كان ممتلئ البدن، ثم وضعه في كرسي المشي.
ومضى..!
مرّ الآن أكثر من إحدى عشرة سنة، ولا يزال هاتفي الداخلي يحثني على الدعاء له.
إنهم قناصة الأجور..
وصيادو الثواب الذين يلتقطون اللحظة السانحة ويتحسسونها في الطرقات ومختلف الأحوال.
إنهم مثل الصياد الذي يراقب المشهد من بعيد، يخطط، ثم يتقدم، يضع بصمته، ويرحل…
روح الصياد متوثبة على الدوام، لكنها هادئة وفطنة، تلتقط المشهد كاملًا ولا تدخل في الصورة حتى تعرف أين مفتاح الكنز..؟
تأمل في قصة موسى عليه السلام كيف راقب المشهد:
“وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ”
“وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِ…”
لم يتعجل التدخل، بل سأل أولًا: “مَا خَطۡبُكُمَا؟”
أصبحت الصورة مكتملة، والحياة تنتظر قصةً خالدة..!﴿وَلَمَّا وَرَدَ مَاۤءَ مَدۡیَنَ وَجَدَ عَلَیۡهِ أُمَّةࣰ مِّنَ ٱلنَّاسِ یَسۡقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ ٱمۡرَأَتَیۡنِ تَذُودَانِۖ قَالَ مَا خَطۡبُكُمَاۖ قَالَتَا لَا نَسۡقِی حَتَّىٰ یُصۡدِرَ ٱلرِّعَاۤءُۖ وَأَبُونَا شَیۡخࣱ كَبِیرࣱ﴾
عش بروح الصياد،
وراقب مظان الأجور العظيمة، وميادين الحسنات الجارية…
في الطريق، والمسجد، والسوق، والمدرسة، حيث لا تدري.
فالكنوز منثورة بين الأحياء، لكنها تحتاج إلى الصياد الماهر الذي ينقضّ عليها بلا تأخير، ليترك بصمة خالدة في القلوب والنفوس والحياة…
وأنا متأكد أنكم تعرفون مئات القصص عن هؤلاء الصيادين، لكن الأهم أن تكون منهم!
فإن لم تسجل نفسك في قائمتهم، فعجّل حتى تكون صيادًا، فإن اصطدت مرة، فلن تتوقف عن الصيد أبدًا، لما ستجده من حلاوة وبهجة…
ألا ترى المولعين بالصيد لا يتركونه؟
تقبل الله منا ومنكم صالح الاعمال