__ ‏زهايمر .. !/قصة قصيرة

العراق

.. كنتُ اجلس في مكاني ، خلف شباك المراجعين ، احرر معاملاتهم ..
و كانت تجلس هناك ، تختلس النظرات بابتسامة شاحبة ..، يكسو تجاعيد وجهها جمال غابر ..قوام نحيف و ملابس انيقة وفاخرة ، تشي بحياةٍ مترفة ..!

– هل انتِ جديدة هنا ؟؟ ، تقدمت مني بخطى متثاقلة وسألتني..
– نعم.. و أومأتُ برأسي ايجاباً ..
– اجل ، يبدو اني لم اركِ من قبل هنا!!!
– تفضلي.. اي خدمة؟؟؟
– لالا ، انتظر ابني ، لقد نسيت المستمسكات بالبيت!! إنه الزهايمر يا عزيزتي…
ابتسمت لي، و عادت. تحمل ثِقل همومها الى مكانها بين الزحام.. ، كان يوم عمل متعب ، و كان عليّ معاملة المراجعين بلطف رغم ضجيج التزاحم ، و كان عليّ ان اكون. اكثر لطفا مع كبار السن والمتقاعدين.. !
كانت عيناها تتفحص المراجعين… تبحث عن ابنها ، تستعجله !!
و كنت اختلس النظر اليها ، و انشغل بالمراجعين ،، اتعامل مع امزجتهم .. نفاذ صبرهم ، قنوط كهولتهم … ، جميعهم يستحثني لانهاء معاملته اولاً لاستلام راتبه التقاعدي.. !
لبعض الوقت تركت مكاني لموظف اخر ، و شققتُ طريقي بصعوبة بين زحام المراجعين..‏ !
‏اثناء عودتي وجدتها تجلس صامتة و ساهمة ، و قد غادرتها ابتسامتها . وكان هناك شاب ببزّةٍ عسكري و وجهٍ يملؤه التوتر يقف الى جوارها ، يعنفها بانفعال مخنوق ، وهي ساكنه.. كيف نسيتي المستمسكات؟؟ ساعة وانا ابحث قلبت البيت راسا على عقب… كيف ردي.. لعنة الله.. انه الزهايمر.. هيا لقد تاخرت.. !

اخذت مكاني امام شباك المراجعين ، تقدم مني و دفع بالمستمسكات اليّ ، موضحاً بانه لا يخالف الاولويات ، لكنه قدم مع اول ساعات الدوام ، غير ان امه و الزهايمر ..
اومأتُ له ، و تناولتُ اوراقه ..
انهيت شروحاتي و طلبتها ..
اشرتُ لها الى خانة التوقيع..
– كل مرة تفعلين بنا هكذا… ، و بقيت صامتة !
ناولته المستمسكات وقد باتت جاهزة ، و نظرتُ اليها بابتسامة محببة ، تبسمت وشكرتني.. ، و سارع ابنها الى صندوق الرواتب ..!
بينما تمتمتُ لي :
– اراكِ بعد عام بُنيّتي ،، بعد عام من الآن ، اما الآن ، فانا عائدة الى سجني ..
– سجن ؟؟..
– اجل ،، انه بيتي لكنه سجني.. فلن اقابل احدا و لن يقابلني احد .. !
آلمتني حروفها.. ، شعرتُ ان خواءٌ يجتاح صدري ..

هيا ياامي.. هيا ، لقد انتهيت
– ماذا كانت تقول لكِ سيدتي ،، ربما اعتقدت انك ابنتها ، انه الزهايمر سيدتي .. اترين ذلك العجوز هناك ، تعتقده ابي رحمه الله ،
نظرتُ الى حيث أشار ، كان هناك عجوزٌ يختلس النظرَ لوالدة الشاب ، و ابتسامة تكسو تجاعيد وجهه.. !

نظرتْ اليّ بابتسامتها الشاحبة ، و ربتت على يدي قائلة بأسى :
– لا عليكِ ،، انه الزهايمر يا عزيزتي‏

ناديـــا العابــــد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى