كهوف عدن أضاحي بشرية وطقوس وثنية!

 

 

كغيرها من المدن التاريخية العريقة تستأثر مدينة عدن بعدد من الحكايات الشعبية والمعتقدات الخرافية ! لكننا هذه المرة أمام حكاية خرافية _ لها جذورها الواقعية _كانت متداولة منذ زمن ليس ببعيد!! لكن بعد البحث والدراسة ؛ نجد أنفسنا أمام حقيقة مثيرة ومخيفة !!! مصداقا للقول ( خلف كل خرافة حقيقة ) ( أصل الحكاية ) تعد مدينة عدن بموقعها الاستراتيجي من أهم الموانئ الحيوية في المنطقة والمزدهرة منذ القدم … وانفتح بحرها الزاخر على كثير من الحضارات والشعوب والأمم بمختلف العقائد والطقوس من هنود وفرس ويهود وصومال وأفارقه ومازالت شواهد أثارهم باقية إلى يومنا هذا !!ومن بين هذه الشعوب الوافدة مع معتقداتها قبيلة أفريقية وثنية من شرق أفريقيا على الأرجح !! أطلق عليهم خطأ من باب التعميم باسم ( الجبرت ) لأن الناس في عدن كانت تطلق اسم ( الجبرت ) على كل الأجناس الأفريقية صومال وحبشة وسواحليين…وغيرهم’ دون تمييز ( بجامع لون البشرة السوداء والطول ) والا فالجبرت قبيلة عربية مسلمة !! ولن نقف عند هذه النقطة خوف الاسهاب !
لكن هذه القبيلة الوثنية التي أطلق عليها خطأ اسم ( الجبرت ) والقادمة إلى عدن- لأغراض شتى – ؛كانت لها طقوس وثنية دموية موسمية تؤديها في شهر صفر تحديدا في منتصفه عند اكتمال البدر ( تبركا و ضمانا للربح والسلامة ورضا الآلهة …. يغادرون المدينة إثرها على عجل … وهنا تكون جبال عدن الوعرة وكهفوها مسرحا مثاليا لتلك الطقوس الوثنية الدموية !
لكن هذا الطقس يتطلب أضحية بشرية أو أكثر ؛ قبل هذا الطقس يقوم بعض الجبرت برصد الحركة في المدينة ويختارون ضحاياهم بعناية من الناس الذين يبدون غرباء أو المتشردين المتجولين في المساء … ويباغتون باختطافهم واحتجازهم في هذه الكهوف … وإطعامهم التمر واللبن لأيام وبعض اللحم … بغرض تسمينهم وإكرام آلهتهم إلى أن يكتمل القمر ليلة المنتصف من صفر !! يبادرون بتعليقهم من أرجلهم في جو احتفالي تصحبه الرقصات والأناشيد والخمرة .. وفي ذروة الطقس يقومون بحز الرؤوس وشرب الدماء !! وتقطيع القرابين البشرية والأكل منها !!!
(جو الحكاية )وأثرها :
كثير من الناس في عدن وربما إلى الآن قد سمع من الأهل وخصوصا العجائز ( الحبابة) تحذيرات بعدم الخروج من المنزل بعد المغرب فهناك ( الجبرتي ) الذي يخطف الشباب والأطفال وابو ذيلة … ويسمع بعض تفاصيل الطقوس الوثنية من تسمين وحز للرؤوس مع بعض الاضافات والحذف … كاستخدام دماء الضحايا لصنع الذهب أو تلميعه أو برازهم!!! ليعيشوا جوا من الرعب يثنيهم عن الخروج مساء ….. يعتقد كثير من الباحثين أن هذا الطقس الوثني الدموي كان قائما في عدن إلى الاربعينيات من القرن الماضي وأن السلطات البريطاني كانت تغض الطرف عن هذه ( القبيلة) وطقوسها الدموية لحاجتها الملحة لهم بعد أن قامت باستقدامهم من افريقيا وعززت وجودهم للقيام بمهمة يستقذرها أهل عدن في جمع البراز من الجلالي ؛كما لم تسجل شكاوى من أهالي عدن رسمية لدى السلطات البريطانية لوقائع اختطاف!! كون ( الجبرت كما أسلفنا يختارون قرابينهم من بين الناس بحذر … !
والجلالي جمع جلي أي ( مرحاض ) وهي كلمة هندية … والجلالي نظام قديم للصرف الصحي اليدوي .يربط بين البيوت من خلفها عبر ممر طويل لا يتعدى بضعة أمتار في العرض … ولكل بيت مرحاض ( أعزكم الله ) مفتوح على الجلي بأوعية … يقوم الجبرتي بتفريغها ليلا إلى عربات ومن ثم إلى البحر .. ( جبرتي وجلي !!!

ربما أسهم إلى حد بعيد في إذكاء هذه الخرافة في عدن أن الميناء فيها كان يشهد تجارة مزدهرة ( للرقيق ) وهناك جزيرة صغيرة شمال المعلا كانت تعرف بجزيرة ( العبيد ) وتسمى اليوم بجزيرة العمال … حيث يتخصص بعض الصعاليك في اختطاف الناس وبيعهم كرقيق في الموانئ الأخرى !!! وهذا الأمر من شأنه أن يضيف بعدا آخر للحكاية وهناك قصص تروى كثيرة في هذا المجال لا يسعنا الوقت لنشرها …

(كهوف البوميس)!!

يرى الباحثون أن كهوف البوميس استحدثت قبل الميلاد في فترة يعتقد أنها تلت فترة إنشاء صهاريج عدن الطويلة، وهي عبارة عن مغارات نحتت في جوف الجبل بطريقة هندسية بديعة وزينتها الأعمدة من أصل الجبل وساعدت على متانتها والحيلولة دون سقوطها.

واستخدمت المغارات في أزمنة لاحقة كاستراحات مؤقتة ومخازن، وفي أثناء الاحتلال الفارسي لعدن كانت مقراً للتخلص من جثث الموتى عن طريق تعليقهم على أسياخ حديدية طعاما للطيور. أما الأسطورة المتداولة فهي تتحدث عن أن قبائل الجبرتيين استوطنوا عدن في أزمنة غابرة وكانوا أقواما غرباء يأكلون لحوم البشر ويتخذون من كهوف الجبال المحيطة بكريتر موطنا لهم وهي تتطابق إلى حد بعيد مع روايات الرحالة الأوروبيين الذين أكدوا أن الجبرتيين سكنوا الجبال المحيطة بمنطقة حقات جبل النار.

وأشار الرحالة والمغامر الفرنسي هنري مونفرد 1879- في كتابه مغامرات في البحر الأحمر الى أن قبائل تعيش في عدن تسمى الجبرتيين يعود أصلها إلى منطقة في شرق إفريقيا وتتخذ من جبل النار المطل على كريتر موقعاً لممارسة طقوسها الدموية.

ويؤكد سكان عدن أن الانجليز خلال فترة استعمارهم لعدن توصلوا إلى معلومات مهمة بشأن عادات هذه الأقوام غير أنه لم تظهر حتى الآن وثيقة تؤكد ذلك. غير ما كتبه المغامر الفرنسي سالف الذكر !

 

 

أستاذ الحضارة والأدب في جامعة عدن والجامعة اللبنانية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى