عفت الثنيان الحُلم
لمياء النفيعى
منذ سطع نور الإسلام على البشرية وتعاليمه وتشريعاته، إعلاء شأن الإنسان والارتقاء به، ومحاربة الجهل والخرافات، وإعطاء كل ذي حق حقه من جميع الاحتياجات الدينية والدنيوية ولا تنحصر في زاوية معينة، ولقد كان للمرأة نصيب بإعلاء شأنها والاهتمام بها لأنها نصف المجتمع، وأم الرجال، والمدرسة التي تربي الأجيال، وقد استوصى بهن النبي عليه الصلاة والسلام خيراً، كما حرص الإسلام على تعليم المرأة وتثقيفها، لأنها أساساً لإعداد وتنشئة الفرد والأسرة وبناء المجتمع والوطن، في أشد الحاجة للتعليم حتى لا تصبح فريسة للجهل لما في عالمنا من مغريات، والنهوض بعقليتها، وتوسيع مداركها، وطريقة تفكيرها وتحفيزها للتفكير والإبداع، لتتمكن من إنجاز مهمتها العظيمة التي تنعكس على جميع مجالات الحياة.
كان المجتمع العربي آنذاك في منتصف القرن الماضي يمر بمتغيرات سياسية، واجتماعية، وتعليمية، ولامست تلك المتغيرات المملكة العربية السعودية حيث برزت قضية تعليم البنات وصار المجتمع بين مؤيد ومعارض ورغم محاولة الملك عبدالعزيز -رحمه الله- ومن بعده أبناؤه الملوك -رحمهم الله- لدفع المرأة للانخراط في التعليم, إلا أن الإقبال على التعليم كان ضعيفًا نتيجة لمعارضة الأهالي تعليم بناتهن، بأن المرأة ليست في حاجة لطلب العلم، وايضا لما يسمعونه من أحوال المرأة في الدول العربية المجاورة، وسعت القيادة الرشيدة لإقناع الممتنعين عن تعليم بناتهن بأن الدين لا يمنعها من طلب العلم بل يحث على ذلك، وتم إنشاء كتاتيب لتعليمها أمور دينها ودنياها ثم تمثلت مرحلة المدراس المنزلية أو شبه النظامية واستمرت حتى تاريخ إنشاء المدارس النظامية لتعليم البنات .
فكيف وصلت مراحل تعليم المرأة في السعودية رغم العوائق التي واجهت تعليمها؟
بدأت بقدوم شمعة مضيئة من هضبة الأناضول إلى بلاد الحجاز تحمل معها بذرة العلم حيث نثرتها في أرض الحجاز فنمت وترعرعت وتفرعت في إرجاء الوطن، ألا وهي الأميرة عفت الثنيان -رحمها الله-.
لقد قررت أن تكون امرأة مميزة، وتتخطى تعقيدات معارضي التعليم، وتساهم في تنمية وطنها بالرغم أنها كانت لا تجيد اللغة العربية، ولا تعرف كيف تتعايش مع وضع جديد، وعادات وتقاليد مختلفة، لكنها استطاعت أن تتجاوز كل شيء فتعلمت اللغة العربية واللهجة السعودية، واتخذت مواقف تصب كلها في خدمة مجتمعها عامةٍ وللنساء خاصة لأن قرار تغيير واقع المرأة السعودية للسماح لها بالتعليم، الذي كان صعباً بسبب تحفظ المجتمع وعدم انفتاحه، وكانت تشعر بحزن شديد على الفتيات الصغيرات لعدم إكمالهن تعليمهن، وأخذت تبحث عن طريقة لجعل حياتهن أفضل ويكون لهن مستقبل باهر.
لقد كان الملك فيصل رحمه الله طموحاً ومحباً للعلم وكانت جملته المشهورة (لو لم أكن ملكاً لوددت أن أكون معلماً) وقف معها، وساندها وشجعها لتحقيق حلمها بتغيير واقع النساء السعوديات، ونشر التعليم بين صفوفهن، والسماح للمرأة السعودية بالتعليم وحقها في اختيار مسار مستقبلها، حيث افتتحت مدرسة لتعليم البنات داخل قصرها في مدينة الطائف، وكانت تديرها بنفسها، لأنها رحمها الله تؤكد بأن تعليم المرأة هو سلاحها، وأن المجتمع بدون تعليم المرأة يكون ناقصاً.
في البداية واجهتها انتقادات كثيرة بسبب رفض بعض الأهالي تعليم بناتهن، وواجهت صعوبات في استقدام معلمات من البلاد العربية، وضع المناهج الدراسية، لكن بحنكتها وحكمتها تحدت كل الصعوبات وعملت جاهدة لتحويل حلمها إلى حقيقة فأسست مدرسة (دار الحنان) في مدينة جدة، وحرصت أن توفر فيها أحدث الأساليب التربوية والتعليمية، ولم تكتفي بذلك بل حثت على الاطلاع والمعرفة بالقراءة والبحث في الكتب وليس من المقررات الدراسية فقط، ومن ثم توالت إنجازاتها، واختتمت عطائها بجامعة عفت التي تعتبر أول كلية أهلية للبنات وذلك لرفع المستوى التعليمي ووضعه في إطار جديد يتناسب مع الكفاءات الشابة المتطلعة إلى مستقبل مشرق.
فقد عاشت رحمها الله من أجل وطنها، تنثر عبير العلم والثقافة وحب العمل والعطاء في نفوس بنات الوطن، ونشر الوعي والثقافة بين أفراد المجتمع.
لذا بدورنا نذكر سيرتها وإنجازاتها في يوم المعلم العالمي، لأنها رائدة التعليم السعودي النسائي في تاريخ المملكة العربية السعودية ويؤول لها الفضل بما وصلت إليه المرأة السعودية الآن.
الأميرة عفت -رحمها الله- تركت بصمة لها أثر في نفوس من كان حولها وتعلم على يديها ومن سمع عنها، وقلبٌ نابضٌ في تاريخ تعليم المرأة في المملكة العربية السعودية.