نعمة الخلف الصالح: خير خلف لخير سلف
حسام الدين الغيري/ تونس
في عشية يوم صيفي جميل ، اختار مصطفى المكوث في حديقة المنزل لينعم بدفء الوحدة وانتعاش النسيم العليل في آن . لقد ساد المكان بعضا من السعادة والسرور، فقد بلغ الى مسامعه حينها أصوات الزغاريد القادمة من منزل جارهم الاستاذ الفاضل عبد الوهاب، حيث وهبه الله بمولود ذكر طال انتظاره، لقد أنعم الله عليه بالابن الثالث بعد أن أنجبت له زوجته بنتين في غاية الجمال، لقد كان جمالهما عثمانيا، حيث تنحدر قرينته من عائلة تركية أصيلة قدمت الى البلاد التونسية في أواخر القرن السادس عشر ميلادي.
حقق الاستاذ عبد الوهاب، أستاذ أصول الدين في كلية الزيتونة، والامام الخطيب بمسجد الحي، حلمه أخيرا، لقد جاء الولد، لقد قدم السند. لعل لهذه الفرحة ما يبررها، فقد كان إمامنا الفاضل وخطيبنا اللامع الأخ السابع لست بنات، وأحاطه والده الشيخ الزيتوني المبجل وعدل الاشهاد المميز بالرعاية اللازمة والعناية الفائقة ليكون خير خلف لخير سلف. لقد مات والده منذ سنتين، ولم يخف حسرته لعدم قدوم الحفيد المنتظر، لعل الله لم يشأ ذلك، ربما القدر قد تمنع، ربما الله قد يحدث بعد ذلك أمرا.
كان الجد الفاضل شديد الولع بحفيدتيه، كان يحبهما حبا جما فكان يغدقهما بالهدايا والألعاب، الا أنه لم يستطع إخفاء دموعه لحظة وفاته، لقد كان مصطفى شاهدا على تلك اللحظة، لم يفش الجد سر دموعه الا أنه أوصى ابنه بابنتيه وكأنه حينها يترجى مولاه بقدوم الولد. وهذا ما جعل الاستاذ عبد الوهاب، صديق مصطفى الحميم، شديد التعلق بطفلتيه، الا أنه كان شديد الصرامة معهما، لقد أغدقهما حبا وحنانا. كان يقضي أوقاتا ممتعة معهما.
وبينما أوغل مصطفى في تذكر هذه التفاصيل الدقيقة الممتعة، فإذا به يسمع طرقا سريعا على الباب، فتحه على الفور، ويا لروعة المشهد، إنه الأستاذ عبد الوهاب قد أتى صحبة ابنتيه، وقد حملت الكبرى طبق الحلويات بينما حملت الصغرى طبق المشروبات، لقد عمت الفرحة أسارير وجهه وهو يقول:” هيا ، هيا ، قدما العصير والحلويات لعمكم مصطفى.”
تناول مصطفى كأس العصير وقطعة الحلوى وأجابه ضاحكا:” شكرا جزيلا يا أبا محمود، لقد أحييت ذكرى والدك من جديد، إنها لفتة عظيمة منك لأبيك الراحل ، تفضلوا بالدخول لنكرم ضيافتكم ولنحيي معا هذه المناسبة السعيدة.” رد عبد الوهاب في لهجة متسرعة:” شكرا يا مصطفى، يجب أن أمر على بيوت الحي كلها ليشاطرونني فرحة المولود الجديد. سنلتقي في المقهى بعد صلاة العشاء بإذن الله تعالى.”
رحب مصطفى بالفكرة ثم أغلق الباب وعاد إلى مقعده مبتسما راجيا المولى أن يكون خير خلف لخير سلف.