مقالات

المُحرَّمَاتُ مِنَ الأسْماء ” بحثٌ أنثروبولوجي” بينَ اليمنِ والعَالمِ  

مُجِيْبُ الرَّحْمَنِ الوِصَابِيْ

مُجِيْبُ الرَّحْمَنِ الوِصَابِيْ

ظاهرةٌ اجتماعيّةٌ مُنتشرةٌ في عديدِ البلدانِ العربيَّةِ، فذكرُ اسمِ الامّ يعدّ عيبا، والأختُ منْقَصَةٌ، والخالاتُ هتّكٌ للأسرارِ!

 

إيش اسْمُ أمّك؟ سُؤَالٌ يَضَعُهُ الحذّاقُ لقياسِ ذكاءِ الطفلِ وفطنِتهِ…! فيجتهدُ الأهلُ سيما الأمّ في تعليم طفلِها الكذبَ ولو بمدارةٍ… “إذا سألوك يابني قُل: (حواء)!

 

بعضُ الأمّهاتِ الشجعانِ تعلّم طفلَها أن يردّ على الحذّاقِ بفضاضةٍ والسفهاءِ بلقافةٍ؛ …هذا أفضلُ من الكذب، والمعاريض (الحيلة) التي يُبيحُها الفقهاءُ

 

تقودُنا الأعرافُ إلى الحَفْرِ بعيدا عنِ العقائدِ والأدّيانِ فربّما استأنسنا فهما، وتأويلا لهذه الظاهرةِ بموضوعيّةٍ؛ معرضين عنْ تشنجاتِ دعاةِ النسويّة التي ترى أنَّ هذه الظاهرةَ سببُها:

 

“المنظومةُ الأبويّةُ المتحكّمةُ في جميع مفاصل حياتنا، هي من أنتجت هذه الموروثاتِ المهينةِ للمرأةِ، وتفكيرٌ ذكوريٌّ يعتبر أن اسمَ النساءِ معيبا”.

 

باتَ مُؤكدا أنّ هذهِ الثقافةَ ليس لها علاقةٌ بالدّين؛ وكثيرٌ من الأعرافِ والتقاليدِ هي بقايا عاداتٍ ورواسبَ موغلةٍ في القدم قبل الديانات نفسِها؛ تحديدا إلى الفترة ما بينَ الإنسانِ الأوّلِ “آدمَ” وظهورِ الدياناتِ السماويَّةِ على وجهِ التحديد المسيحيةِ والإسلامِ

 

لأنّ في اليهوديّة-بوصفها أقدم الديانات-رواسبَ قديمة ما زالت حاضرةً؛ فالأبناءُ يُنسبون لأمّهاتِهم! فيما يعرف بـ (قانون النسب اليهودي) الذي مضى عليه أكثر من ألفي سنة كما يرصده الأنثروبولوجيون.

 

تدّلنا بحوثُ الأنثروبولوجيا المقارنةِ إلى كثيرٍ من المجتمعات البدائيّة التي درستها؛ وهم لا يتحفظون عنْ ذكرِ اسمِ الأمِّ فحسب! بل وأسمائهم؛ ويَخَالُون الاسمَ شيئا ماديّا راسخا، وثابتا في الإنسان كاليدين والرأس وغيرها من الأعضاء، هو أيضا عنوانه وطريقٌ تهتدي الشياطينُ والجنُّ فيهِ إليهم! وأساسُ السحرِ والشعوذةِ لا بلْ أشدّ أثرا من مخلفاتِه كالشعر والأظافر.

 

قد تصلُ عقوبةُ مَنْ يتلفَّظُ بالاسمِ إلى أقسى مدى كما هو الحال في إحدى جزر استراليا؛ إذ يعدّ ذكر الاسمِ من الجرائم الجسيمة التي قد تعرضُ مرتكبَها لعقوبةِ الإعدامِ.

 

يلجؤون إلى إخفاء أسمائهم والتعويض عنها بأسماء مزيفة أو كنىً وألقاب! … كي لا يعرفهم الشرُّ المرتبطُ بالجنّ والسحر والشياطين ويضلّ الطريقَ، مثلما يفعلُ أعضاءُ الحركاتِ السريّة أو الثورية والعصابات اليوم؛ كي لا تطالهم يدُ السلطة واستخباراتها.

 

من المعتاد عند الهندوس أنه إذا فُقد لهم طفلٌ سُمي الطفل الذي يليه ببعض الاسماء فالذكر يُدعى كُوريا KURIYA أو دنغهل DUNGHIL، وقد أشرنا إلى هذا التقليد في اليمن في بحثنا السابق واستخدام (العوّاشة) والأسماء القبيحة البشعة؛ لدرء العين والأمراض والشياطين مثل كُداف/ة، جيف/ة، حنش، موت، شيطان، مؤدي… الخ. وهو تقليد أصيل عند الشعوب السامية.

 

إيّاكَ أن تتلفظَ اسم الميت! لأنَّكَ عندَها تبعثُ روحَه من جديد وكأنَّك تنكزُه بحَديدةٍ من نارٍ.

 

خبأ أحدُ البدائيين نفسه أياماً! حينَ سَمِعَ أحدَ الرحالةِ يذكرُ اسم شخصٍ ميّتٍ، وقد كانت بعضُ القبائل البدائية تعتقدُ بأنّ ذكرَ اسم الميتِ سيثيرُ روحُه ويزعجُها؛ لذا فإنهم يلفظون الاسم إذا اضطروا بخفوتٍ شديدٍ!

 

هل لهذا رابطٌ بكراهية ذكر اسم المتوفى مباشرةً، وتغليفِهِ بألفاظٍ من نوع الفقيدِ والمرحومِ؟! أو بالإحجام عن إطلاق الاسم مرةً أخرى على مواليدَ جُددٍ في عائلةِ المتوفَى

 

وكما للناس أسماءٌ يجبُ أنْ تخفى وتسترَ بالتزييف والكُنى والألقاب، كذلك الحالُ أيضا لأسماء الجنّ والشياطين فمنِ امتلكها امتَلَكَهُم!

 

“عبدالله الحظرد” أشهرُ السحرةِ في الدُّنيا من صنعاءَ زادَ في إزعاج أقرانِه مِنَ الجنِّ والشياطين كثيرا فنادى مستفزا ومتباهيا و……….. و…………و……..(نتحفظ عن ذكر الأسماء)

 

اختطفته الشياطين!

 

عملت له حظرا من وجهِ الأرض! ناداهم ليختفيَ بالهواء! …. شلّوه الجن و “من طلب الجن ركضوه” عندما أزعجهم كثيرا.

 

قِيل أنَّ منْ ينادي الحظرد باسم امّه واسمه! يحضر إليه ويلبي كلَّ رغائبه!

 

 

إذن الظاهرةُ لها بعدٌ آخرُ وحقيقةٌ موغلةٌ في الماضي السحيق فذكر اسمِ الأمّ ليس بالعيب أو السخرية؛ إنما بالسحر والشعوذة والتنجيم مرتبطٌ، وليس من الدين فهذا القرآن يذكر (ابن مريم) وأمَّه.

 

رسولُ اللهِ يذكرُ في معرض اعتزازِه بالأوسِ أبناءِ(قيلَةَ) ومنعتهم ونجدتهم، وقيلة هي أمّ (أوس) و(خزرج) اللذان صارا قبيلتين عظيمتين وسكنوا يثرب وذلك بعد أن توعَّدَهُ بعضُ السفهاءِ فقال:

 

(يَأْبَى اللهُ ذَلِكَ وَأَبْنَاءُ قَيْلَةَ). [تَفْسِيرُ ابْنِ كَثِيرٍ 2: 524]. أَيْ يَمْنَعُكَ عَنَّا اللهُ وَالأَنْصَارُ الَّذِينَ هُمْ أَبْنَاءُ قَيْلَةَ

بَلْ يُسْتَفَادُ مِنْ ذِكْرِهِ عِنْدَ النَّبِيِّ (ص) أَنَّهُ يَكُونُ لِلمَدْحِ والاستنهاض بِهِ أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ لِلذَّمِّ وَالتَّقْرِيعِ وسيكررها النبي مع عمار ابن سالم في حديثِ الفئةِ الباغيةِ حيث قال له:” ويحك يا ابن سميّة بؤسا لك تقتلك الفئةُ الباغيةُ”، وهذا ما يذهب له الباحث اللساني علي بلحاف في تحليله للنداء باسم الأم في اللغة المهرية.

 

يعودُ الطفلُ من المدرسة بعد درسٍ شيّقٍ عن أمّهات المؤمنين والنساء الصالحات المذكورات بالاسم في السرديّات الإسلامية الكبرى ليحدثَ ذلك شرخا عميقا في نفسه، وهو يخجل من اسم أمّه وأخته!

 

كحالِ ذلكَ الطفلِ الذي يكتشف أنّ له اسما آخرَ في سجلات المدرسة غير اسمه الذي اعتاد أن يُنادى به، إنها تناقضات الحاضر والماضي المشكلة لشخصية الإنسان العربي.

 

ماذا لو علَّمت الأمُّ طفلَها أو الأهلُ أن يقولَ الحقيقةَ؛ ولا يخجل عندها ستكون أشجع وأفضل وتسهم في غرس القيم والصدق

 

إنما هي الأعرافُ والتقاليدُ التي يجب أن ندرسها ونفهمها

 

أمي اسمها فاطمة بنت سلمانَ؛ ولا أخجلُ من ذكر اسمها رحمها الله بل معتز بها وأفخر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى