الحنين للحب القديم
وجنات صالح ولي
تبادر في ذهني سؤال ورد لي من خلال سماعي لحكاية حياة كاملة من عمر مضى بين زوجين. ليس المهم أن عاشا بسعادة أو غيرها، لكن النهاية غير المتوقعة كانت بفراق ذلك الثنائي المترابط. والسبب يتلخص في عودة حب جارف قديم لأحدهم، كان قد وضع في رفوف الذكريات ومع الأيام والسنين تلاشى. لكن ما حصل بعد ذلك أن ثارت أمواج الحنين لسبب ما، وحن ذلك الرجل لحبه القديم المعتقد بأنه متهالك ومنتهٍ. وهنا أتساءل: هل من الممكن أن يحن الرجل لحبه القديم مهما كانت الظروف وقتها؟
في اعتقادي، من المفترض أن تنتهي العلاقات القديمة مهما كانت بالنسبة للرجل أو المرأة، تكون ماضٍ وانتهى. ولن يجد مع الأيام ما يثير فضوله بعد ذلك حتى لو مرت عليه فترة طويلة من الزمن.
وحتى وإن أحبها وعشق وجودها في تفاصيل حياته العادية، لابد أنه لا يعود ويركز في ما مضى بصدق عاطفة وعقل. بل على الأغلب سيكون مركزًا وجل اهتمامه سيكون على حياته الجديدة بكل مستجداتها وأحداثها، لأنها هي الحياة التي سوف يعيش فيها. وأن دائرة الاهتمام بالماضي تعد مفرغة من كل شعور سابق، لأن الاهتمام بالماضي من حياة أحد الطرفين يعد مشكلة عميقة إذا فتحوا باب الإثارة بينهم في ذلك. لطالما قرر الطرفان الارتباط الوثيق بينهما وسمحوا بالدخول لعالم الهدوء بقناعة والغوص في حياتهما القادمة بكل ما فيها.
هنا يكمن قرار موت الماضي وإحياء ميلاد الحاضر، حيث لا يحق لأحدهم أن يفتح باب الماضي للآخر ولا العبث في محاولة معرفة أسرار مخبأة طُويت وانتهت، أو الوصول لأي من تلك الثغرات التي تطل على ذلك.
حتى لا يثيروا ماضٍ منتهي في طي الإهمال والنسيان. لكنها لم تعِ خطورة ذلك حين قررت بعد مضي عمر كامل معه أن تثير تلك الزوبعة التي لم تظن أنها ستدمر حياتها، حين عرفت من مصدر وصفته بالموثوق أن حبه القديم قد يكون حاضرًا بظل مستقيم بعد تحرره من حياته السابقة. وبعد نقاش طويل لإقناعها بأنه شبه مستحيل، لم تصدق ذلك وثارت داخلها الغيرة المستحيلة، وبدأت الجدال معه والتزمت الصمت عقابًا حتى يجيب على أسئلة لا تفيد. وفي خلال فترة الصمت العقابي، كما ظنت أنها تستفيد، تركت له مجالًا ليستيقظ بذاكرته بعد حين. وما كان منه مع الأيام إلا أن عاد بحنين لماضيه الراحل من سنين. وكل ذلك كان بمجرد إثارة زوبعة لم تنتهِ إلا بعد أن خلفت وراءها دمار أعوام من جديد. وصدقت كلام ذلك المصدر الموثوق.
إياكم وفتح تلك النوافذ المطلة على الماضي، فليس كل إطلالة تستحق عناء المشاهدة. ويبقى نفس السؤال:
هل يحن الرجل لحبه القديم؟
والكل سيجد له إجابة مختلفة وخاصة من حن واشتاق لحبه القديم وقد يكون عائدًا لوطنه بعد المنفى.