الأدب والشعر

قراءة لقصيدة “مازلت أنتظر”للشاعر أبي طالب محمد دغريري

زينب على درويش

زينب على درويش

أودُ أن أعي هل مازالَ يهزكِ الحنين ؟

وهل مازال يوقظك من منامك الشوقُ والأنين؟

أخبريني بربكِ هل مازلتِ هنا؟

حتى أُغلق نافذة قلبي المُهترئة ُ على أنغام ِ الحنين .

وأضع “فُتاتاً” لأيكٍ لايأتي

أود أن أعي هل مازلت تشتاق

لليالٍ قضيناها بلارفاق في اتفاقٍ ووفاق .

وأمسياتٍ نحلق فيها بشعر قافيته وافية ، ونثرٍ فيه البلاغة الوافية، من غير سجع ولاهوامش في الحاشية.

بل بمتنٍ رصين

بمخطوط ٍ فريد

بنسخة ٍ واحدة

شمائلهُ واضحة

وواسعة ٌ صاخبة.

.. مازلتُ انتظرك

رغم إنكساري في ليالي فبراير الشاتية

وبحثٍ عن دفءٍ في زوايا الماضي الآنفة

ومازلت أنتظر

طامعاً في المتن لا في الحاشية.

القصيدة مازلت أنتظر”للشاعر أبي طالب محمد دغريري تعكس حالة وجدانية عميقة من الانتظار والحنين، مع تركيز على ثنائية الماضي والحاضر، والبحث عن الجوهر في مقابل الشكليات. إليكم تحليلًا مُفصَّلًا لرأيي في النص

 

– الانتظار واللوعة:الانتظار هنا ليس سلبياً، بل مليئاً بالتساؤلات والبحث عن إجابات (أودُ أن أعي… أخبريني…). هذا الانتظار مرتبط بشخصية غائبة أو علاقة مُحطَّمة، لكنه يحمل أملًا عنيدًا.

– الحنين إلى الماضي:تبرز ذكريات الأمسيات المشتركة التي تجمع بين الشعر والنثر الرصين، حيث كان الحب والإبداع يتنفسان في انسجام تام (“ليالٍ قضيناها بلا رفاق… في اتّفاقٍ ووفاق”).

– الصراع بين الجوهر والمظهر: يُقارن الشاعر بين “المتن” (النص الأصلي الرصين) و”الحاشية” (الهوامش الثانوية)، رمزاً للبحث عن العلاقة العميقة بدل العلاقات السطحية (“طامعاً في المتن لا في الحاشية”).

الصور الفنية واللغة

استعارة النافذة المهترئة: (“نافذة قلبي المُهترئة”) تُجسِّد القلب المُنهك من طول الانتظار، لكنه ما زال يُمسك بذرات الأمل (“أضع فتاتاً لأيكٍ لا يأتي”).

– الطبيعة كرمز: “فبراير الشاتية” (الباردة) ترمز إلى القسوة العاطفية، بينما البحث عن “دفء الماضي” يُظهر حنيناً إلى زمنٍ دافئٍ مفقود.

– اللغة الكلاسيكية: استخدام مفردات مثل “بلاغة وافية”، “سجع”، “مخطوط فريد” يعكس ارتباط الشاعر بالتراث الأدبي، وربما يُشير إلى أن العلاقة كانت قائمة على حوارٍ فكريٍ وثقافيٍ راقٍ.

. الإيقاع والبناء:

– البنية الحُرة: القصيدة غير ملتزمة بوزنٍ عروضيٍ تقليدي، لكنها تحتفظ بإيقاعٍ داخليٍ يعكس تقلُّب المشاعر بين الأسى والأمل.

– التكرار: تكرار عبارة “مازلت أنتظر” في البداية والنهاية يُشكِّل إطاراً دراماتيكياً للقصيدة، ويُؤكِّد إصرار الشاعر على الانتظار رغم اليأس.

– التناقضات: مثل “فبراير الشاتية” مقابل “دفء الماضي”، و”الأنين” مقابل “البلاغة الوافية”، تُعزِّز صراعَ الذات بين الألم والجمال.

الرسائل الفلسفية:

رفض الزيف:النص يرفض التكلُّف في التعبير (“من غير سجع ولا هوامش في الحاشية”)، ويسعى إلى الصدق في المشاعر والفن.

الإصرار الإنساني:رغم “انكسار” الشاعر في ليالي الشتاء القاسية، يظلُّ منتظراً، مما يُظهر قوة الروح البشرية في التمسك بالأمل حتى في أحلك الظروف.

نقاط القوة:

العُمق العاطفي:المشاعر مُعبَّر عنها بصدقٍ دون مبالغة، مما يجعل القارئ يشارك الشاعر ألمه وأمله.

الالتزام بالهوية الأدبية: الجمع بين لغةٍ عربيةٍ فصيحةٍ وموضوعٍ إنسانيٍ معاصر.

نقاط الضعف المحتملة:

الغموض الزائد : بعض الصور (مثل “أيكٍ لا يأتي”) قد تحتاج إلى تفسيرٍ أكثر وضوحاً لربطها بسياق القصيدة.

الاعتماد على التراث : قد يُصعِّب استخدام مفردات كلاسيكية (كـ”مخطوط فريد”) على القارئ غير المُلمّ بالثقافة العربية التقليدية.

 

القصيدة عملٌ فنيٌّ مكتملٌ يجسِّد صراعاً إنسانياً بين الذكريات الدافئة والواقع البارد، مع إصرارٍ على التمسك بالجوهر في عالمٍ يزداد سطحية. الشاعر ينجح في تحويل الألم الشخصي إلى قصيدةٍ عالميةٍ تلامس القلب بصورها الصادقة ورموزها العميقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى