نعمة العقل


حسن بن محمد منصور مخزم الدغريري
سمي العقل عقلاً ؛ لأنَّه يحجز صاحبه عن التصرفات السيئة ؛ ويرغبه في الأعمال الطيبة التي تنفع النفس والمجتمع والبلد بأكمله ؛ ومن رحمة الله بعباده أنه لم يكلف بالعبادة الا العقلاء من الناس قال صلى الله عليه وسلم : ( رُفِع القَلمُ عن ثلاثةٍ : عن النَّائمِ حتَّى يستيقظَ ، وعن الصَّبي حتَّى يحتلِمَ ، وعن المجنونِ حتَّى يَعقِلَ ) رواه الترمذي في سننه ،وصحح إسناده الشيخ أحمد شاكر في تحقيقه على المسند ( 2/197 ) .
وبالعقل أيها الاخوة يتفكر الإنسان في هذا الكون الفسيح وفي مخلوقات الله العظيمة قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ ) ( آل عمران : ١٩٠ ) .
فالعقل نعمة من أعظم النعم يجب شكر الله عليها ؛ ومن شكر الله على هذه النعمة أن تغذيه بكل شيءٍ مفيد ؛ ومن أعظمها تغذيته بنصوص الوحي الشريف ؛ فهما غذاءٌ للعقول والقلوب في آنٍ واحد ؛ كما أنَّ الطعام غذاءٌ للأبدان والأجسام ؛ قال الله تعالى : ( وَكَذَٰلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا ۚ مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَٰكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَن نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا ۚ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )( الشورى : ٥٢ ) .
فلنحرص يا اخوة على الغذاء الروحي للعقول والقلوب وقد قال القائل :
يا خادمَ الجسم كم تشقـى بِخدمته * * * أتطلب الربح فيمـا فيـه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها * * * فأنـت بالنفس لا بالجسم إنسـان
وكما يحرص على الغذاء الروحي بالإيمان كذلك يحرص على غذاء العقول والأفهام بالعلوم النافعة التي يعود نفعها على العباد والبلاد من علم الطب والهندسة والفلك وغيرها من العلوم ؛ لانها معينة على عمارة أرض الله بطاعة الله .
وكما يبحث الانسان عما يفيد عقله وينمّيه يمنع عن عقله ما يضره ويؤذيه من المخدرات والمسكرات والمنشطات أو المفترات ؛ وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَّهُوْنَ) ( المائدة : ٩٠-٩١ ) وفي حديث أم سلمة رضي الله عنها : ( نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلِّ مسكرٍ ومفترٍ ) رواه أحمد في مسنده .
وكذلك لنحمي عقولنا من الأفكار الضالة الضارة ؛ ومن البدع المحدثة والشهوات الآثمة ؛ التي تبعد المسلم عن العقيدة الصحيحة ؛ والمنهج القويم الذي أمرنا الله به في كتابه ؛ وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ؛ والذي سار عليه سلفنا الصالحين رضوان الله عليهم : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ( الانعام : ١٥٣ ) اللهم احفظ علينا ديننا ، وعقيدتنا ، وأمننا ، وولاة أمرنا ، وعقولنا ، وشبابنا ، والخيرات في بلداننا ؛ من كلِّ شر ومكروه ؛ اللهم آمين .