متقاعدو أبوعريش


محمد رياني
متقاعدو أبوعريش
لآلئ في لؤلؤة العشة
الثالثُ عشر من رمضان ١٤٤٤هـ، الساعةُ تشيرُ إلى ٦:٢٤ دقيقة، غربتِ الشمسُ على المدينةِ التاريخيةِ أبوعريش، صمتٌ يُطبقُ على كلِّ مكانٍ مع حلولِ الظلام، الطريقُ من دوارِ العُشَّةِ إلى لؤلؤةِ العُشَّةِ يكادُ يخلو من المارة تمامًا باستثناء بعضِ حالاتِ السيرِ الاستثنائية، الذين حضروا إلى لؤلؤةِ العُشَّةِ رجالٌ جاءوا من الزمن الجميل، هم أشبهِ بلآلئ نادرة جيء بها مع الغروبِ ليشرقَ المكانِ مع الظلامِ الذي أطبقَ على على الأرض ، تنوعتِ الموائدُ لتصنعَ فوقَ الطاولاتِ وعلى الأرضِ اجتماعًا مهيبًا، متقاعدو أبو عريش الذين اختاروا موعدًا قريبًا من منتصفِ الشهر بينما القمرُ يبدو رائعًا مستديرًا في السماء؛ في هذه الأثناء ابيضتْ وجوههم من البِشرِ والسعادةِ كما القمر، غابوا عن مسرحِ الأحداثِ وتركوا التواقيعَ لغيرهم، تركوا الزمن الماضي لمن بعدهم وجاءوا يحملون حاضرًا جديدًا بعدَ أعوام الجهدِ والعطاء، مدُّوا أيديهم نحو تمراتٍ وماءٍ باردٍ وأصناف شتى على مائدةِ الإفطار، حالاتٌ من الأُنسِ اجتمعتْ مع قِطعِ الأناناسِ وتشكيلاتِ الحلوى وفناجين القهوةِ ومع التراث العريشي الخالص، لم ينسوا في غمرةِ الفرحةِ من رفعِ الأكفِّ لشُكرِ ربَّاتِ البيوتِ اللاتي أبدعنَ في صُنعِ مائدةٍ فريدة، لم تكن تلك الليلة هي الوحيدةُ التي شهدتْ إبداعِ زوجاتِ المتقاعدين، عدةُ عقودٍ وهنَّ يحملنَ على عاتقهنِ إضفاءَ حياةٍ سعيدةٍ في مساحاتِ رفقاءِ العمر، مضتْ دقائقُ والأيادي مرةً تتصافحُ لتجددَ الحبَّ والوفاءَ ومرةً تضمُّ رفقاء العمل وزملاء الرحلةِ القادمةِ بعد التقاعد، صعدَ القمرُ إلى أعلى مع مضيِّ الوقت، انفضَّ الاجتماع، ارتفعتْ وتيرةُ الحُبِّ مع لحظةِ التفرق، تواعدوا على الاجتماعِ من جديد، يبدو أن ثمنَ الآلئ ارتفعَ عما هو عليه، لم يتمَّ اختيارُ مكانٍ جديدٍ لاجتماعٍ جديد ، تركوا المكانَ وبه شذى معتَّقٌ من روعةِ العمر، غادروا المكانَ بعدما زيَّنوا لؤلؤةَ العشة بشذى عطرهم ، كانوا أقمارًا على الأرضِ وفوقهم في الفضاءِ قمرُ السماء.