قصة.. المدينة الفاضلة
سميره التميمي
الجزء الأول
الساعة الخامسة فجراً ورنين منبه الجوال يضج بالمكان
تململ أحمد في فراشه هذا اليوم كثيراً، لم يسير هذا الصباح بروتينه المعتاد، مما زاد من قلق والدته فأسرعت نحو غرفته لتتفقده ، إنساب صوتها في حنان نحو مسامعه، وشعر بدفء يديها وهي تضعها على جبينه لتقيس حرارته قائلة:أحمد.. أحمد… لكنه لم يجب، أدار ظهره لها، وغطى وجهه ليكمل نومه!!
جلست على سريره، بدأت تربت على كتفه بهدوء وحنان، اقتربت منه وهمست في أذنه قائله: مابال طبيبي الموهوب هذا اليوم؟
التفت إليها وهو يظهر عينيه من تحت الغطاء قائلاً : أريد مزيداً من الدلال والإهتمام!!
ضحكت وهي تسمع هذه الكلمات ليحتضنها بعمق ويهمس بود قائلاً :أحبك ياامي.
_ وأنا أيضاً ياصغيري، لازلت صغيراً في عيني حتى لو أصبح لديك جيشاً من البنين والبنات
نهض مسرعاً وهو يصرخ قائلا : لا لا أرجوك ياأمي، سأهرب من هذا الجيش، وأجعل معسكرهم هنا في دارك!!
ابتسمت وهي تغادر غرفته قائلة : إذن هيا هيا أسرع وسأجهز لك الإفطار حالاً
………….
في العيادة..
انغمر أحمد كعادته بين عشرات المرضى والمراجعين لعيادته، لكن إمرأة واحدة لفتت انتباهه كثيراً، فقد زارت عيادته هذا الأسبوع أربع مرات،.
نهض احمد من خلف مكتبه وهو يتصفح أخر ملف على مكتبه واستدعى موظفة الاستقبال
قائلاً : لماذا جاءت خالة زينب هذا اليوم أيضاً؟
فأجابت قائلة : لا أعلم حقاً يادكتور؟؟ لقد قالت إنها تشكو من ألاماً أخرى!
أحمد : حسناً حسناً لابأس اسمحي لها بالدخول ولنرى.
ابتسم أحمد كعادته عند استقبال الحالة، ثم رحب قائلاً : أهلاً أهلاً ياخالة، بشرينا كيف حالك اليوم؟
اقتربت خالة زينب بهدوئها المعتاد وصمتها الرتيب وجلست الكرسي ، حتى التقت عيناها بعيني الدكتور أحمد دون أن تتكلم كلمة واحدة!
ابتسم أحمد وهو يقوم بتعديل نظارته ثم اقترب برأسه وكتفه للأمام وهو يعيد السؤال هل أنت بخير ياخالة، هل تسمعيني؟؟
نظرت زينب إلى الأرض في حيرة… ثم قالت :عفواً يابني
أنا لا أشتكي من أمر ما، ولكن.. ولكن… أريد أن أسألك ولتعذرني هل لديك أم ؟
تعجب أحمد من سؤال خالة زينب وابتسم قائلاً لها: نعم الحمد لله، أمي أطال الله عمرها موجودة!
بدا لأحمد أن مريضته تشكو من خطب ما مما أثار فضوله
خاصة عندما لمح بريق عينيها التي أسرت قلبه، وزادت من شفقته علبها
قام احمد وجلس في الكرسي الذي يقابل خالة زينب
وطلب من مساعدته أن تحضر لها قارورة ماء من الخارج
نظرت خالة زينب إلى احمد تتفحص وجهه كثيراً دون خجل وعادت تطرق رأسها من جديد في الأرض ثم تنهدت بعمق….. قائلة : هناك شعور يجذبني نحوك كثيراً،. شعور لا أعلم كيف أصفه لك!
ابتسم أحمد في دهشة متسائلاً: يا خالتي هل ترين أني أشبه شخص ما؟؟
لكن خالة زينب لم ترد هنا بل ظلت تتأمل وجهه من جديد ، عندما دخلت الممرضة وناولتها قارورة الماء،
هنا نهضت خالة زينب وهي تقول : المعذرة يابني لقد أزعجتك كثيراً ولكن اعذرني سأزورك غداً بإذن الله.
دهش احمد كثيراً من تصرفات الخالة زينب ولكنه لم يجد بُداً من أن يرحب بها قائلاً: اهلاً وسهلاً بك في أي وقت!
نظر أحمد إلى الممرضة وهو يخلع معطفه الأبيض..
_ لقد كانت أخر مريضة صحيح؟
_ ردت الممرضة نعم يادكتور
_ حسناً إذا حضرت غداً فلا تأخذوا منها مالاً حتى نرى ماهو أمرها؟
…….
في المنزل…
_ أحمد أحمد …. التفت أحمد أخيراً نحو أمه معتذراً أنا آسف ياأمي.
_ خيراً يابني إلى أين ذهبت؟
_ المعذرة ياامي، إحدى المريضات اليوم…
لم يكمل أحمد حتى قاطعته أمه وهي تضحك متغزلة إذن قصة حب الدكتور ستكون في عيادته!
ضحك احمد وهو ينظر لأمه قائلاً: لا ليس الأمر كذلك إنها امرأة كبيرة في السن ياأمي
_ وما خطبها؟
_ لا أعلم لقد زارت عيادتي هذا الأسبوع اربع مرات دون أي عارض صحي !!
تعجبت أم أحمد وبدا لها أن الأمر غريباً!
فتسائلت وهل الأمر خطير؟
_ كلا ياأمي… لكنها… لكنها
_ لكن ماذا يابني؟؟
لاشيء لا شيء ياأمي ، أشعر بصداع شديد وأرغب بالراحة في غرفتي، فالتفكير في هذه المرأة أرهقني كثيراً، نهض أحمد ثم قبَّل جبين أمه وهو يقول : تصبحين على خير!