“عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه.”

قال رسول الله ﷺ أتاني جبريل ، فقال:” يا محمد عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن شرف المؤمن قيامه بالليل، وعزه استغناؤه عن الناس.”
لعل التجارب الإنسانية جعلت هذا الحديث الشريف راسخا في ذهني، متسيدا أفكاري، فأودعته في عقلي صحبة تواشيحي وأذكاري.
لعل القارئ المتفحص المتأمل لهذا الحديث النبوي، يلاحظ الإشارة الواضحة إلى جدلية اللقاء والفراق، صراع الذات والجماعة، الحرب الطاحنة بين الأنا والهو، ذلك الصراع المرير بين المرء ونفسه.
اتفق الحكماء العرب أمثال ابن تيمية والرازي وابن العربي على أن:” الإنسان مدني بالطبع.” حيث من الطبيعي أن يتعايش المرء مع الأفراد في مجتمع معين ويقيم علاقات متعددة في شتى الميادين والمجالات، ومن هذا المنطلق، نشأت الحضارات والثقافات والدول والصداقات والعداوات. وتقوم العلاقات الانسانية أساسا على ثنائية اللقاء والفراق، أمل البعث الأول ومأساة الموت الأخير، روعة البدايات وخيبة النهايات، أصل الحكاية وآخر فصل منها، عودة الروح وفناؤها، أول الخلق ونهايته.
ولعل قراءتي الشخصية لقول الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام على لسان جبريل: ” أحبب من شئت فإنك مفارقه.”، تشير الى أن الفناء هو جوهر الحياة ومبتغاها وذلك استنادا إلى قوله تعالى في سورة الرحمن:”كل من عليها فان.”
ولعل العشق هو بمثابة الملاذ الأخير، تلك اللذة الروحية التي تستوجب حسب الفيلسوف اليوناني أبيقور غياب الألم كي تستمر وتزدهر فتصبح آية من آيات التجلي. لكن اذا اجتمع الحب والألم في نفس بشرية زاهدة بسيطة، لم تتغلغل أشعة الشمس في أعماقها، تتعمد الحضور في جميع لحظات الغياب، لم توقظها حتى أجراس الكنائس في صباح شتوي جميل، فاستيقظت مع ميعاد الغروب الأخير مودعة روحها مسلمة أمرها للعزيز الحكيم. فلعل الحب إذن، ذلك الشعور القاتل الصامت، قد غمرها فدمرها، فأضحى بمثابة العذاب الأخير والمتعة القاتلة.
في الختام، يقول الشاعر والفقيه جلال الدين الرومي:”كل نفس ذائقة للموت،لكن ليس كل نفس ذائقة للحياة” ولعل متعة الحياة حسب الحديث الشريف تتمثل في التقرب من الله عزل وجل بشتى أنواع العبادات ولعل أبرزها قيام الليل، كما يحقق المرء أعظم الانتصارات على نفسه من خلال الاستغناء عن الناس.