الأدب والشعر

قصة مع سرب الحمام .. الجزء الرابع

سميره  التميمي

سميره التميمي

المكان : في المستشفى ( غرفة التوليد)

الزمن : الساعة الواحدة ظهرا

اليوم : الجمعة من شهر جماد الأول عام ١٤٤٣

الفريق الطبي يدخل بإحدى المريضات في حالة ولادة،

لايوجد أي طبيب مناوب حاليا، كنت ضمن مجموعة التدريب في ذلك الوقت، مع مجموعة من الزميلات قمنا بتجهيز الغرفة وكل المستلزمات والأجهزة الضرورية، وصلت الطبيبة، وعندما إلتفت شهقت من هول المفاجأة إنها وفاء!!

لمحتني لكن يبدو أنها لم تعرفني بسبب الكمامة ووضعها

النفسي، اقتربت منها أمسكت بيديها همست لها في حنان : اطمئني ستكوني بخير

_ من؟؟ نوااااال

_ نعم،

_ الحمد لله، أنا متعبة يانوال

_ لاتقلقي ستكوني بخير ياعزيزتي، خذي نفس عميق، وحاولي تسترخي، أنا هنا بجوارك إطمئني

مضت ساعة في غرفة الولادة، الأمور طبيعية والحمدلله، وأنجبت وفاء طفلة جميلة كالقمر، حملتها بين يدي،

وضعتها على صدر وفاء، كانت دموعها ومشاعرها مختلطة، أمسكت بيدي طويلا…… ثم قالت : شكرا نوال

حملنا الطفلة لإكمال باقي إجراءات فحصها.

همست في إذن إحدى الزميلات، تعالي للخارج، هناك من ينتظر ليطمئن عليها، اذهبي وأسألي عن أهل وفاء وبشريهم،

سألتني : ولماذا لاتذهبي أنت؟؟

_ لا أريد ان يعرف أحد أني هنا بالمستشفى!!

_ أوووه حسنا، حسنا

شعرت أن هذا اليوم ثقيلا جدا، وفاء جارة عزيزة، نقية القلب، مرحة دائما… لم أتركها لحظة حتى اطمئننت عليها

شكرتني أمها كثيرا، ودعتها وعدت للمنزل.

……………………

يوم الأحد من شهر جماد الأولى عام ١٤٤٣، الساعة العاشرة صباحا

جاءني إتصال من إحدى الزميلات : نوال…

_نعم

_ هل تستطيعي الحضور للمستشفى الأن؟؟

_ أنا بالجامعة، ماذا حدث؟

_ متى ستنتهي؟

_ الساعة الرابعة مساءا، ماذا هناك؟؟ أشعرتني بالقلق!!

_ صديقتك وفاء، ارتفعت حرارتها، أظن أنها مصابة بكورونا

_ لاحول ولا قوة الا بالله، شكرا لإتصالك، سأحاول بعد الانتهاء المرور على المستشفى، لكن كيف هي طمنيني؟

_ لا أعلم حقيقة ماهو وضعها، لأنهم نقلوها لغرفة العناية!

_ ماذا……!!!! شعرت بخوف كبير وقلق شديد عليها. دعوت في قلبي أن يحفظها الله، واستودعته إياها

……………

الساعة السادسة مساءا…

كان ممر المستشفى يضج بالزائرين، صعدت للطابق العلوي، في إحدى الممرات لمحتني سناء الأخت الصغرى لوفاء هرعت نحوي مسرعة وهي تبكي قائلة :

نوال… نوال…. وفاء أختي بالعناية… احتضنتني بقوة وظلت تبكي!!

مسحت عليها مطمئنة همست لها : لاتقلقي، ستكون بخير

أقبلت والدتها…. شعرت بإختناق كبير وأنا أرى خطواتها الثقيلة الواهنة… أسرعت نحوها طلبت منها الجلوس

وعدتها بأني سأطمئنها على وفاء.

اتجهت نحو قسم العناية… لم أجد الطبيب المباشر لحالتها فقد انتهى دوامه، حاولت الإستفسار عن حالتها بصعوبة تم الرد علي من الطبيب المناوب وشرح الوضع الصحي لها……

وفاء كانت تعاني من حساسية في الصدر شديدة يبدو بسبب طبيعة عملها انذاك في صالونات التجميل، ارتفعت درجة حرارتها فجأة ثم اكتشفوا اصابتها بكورونا

الحالة الأن غير مستقرة وهي تحت لطف الله!

حاولت أن استجمع قواي، مشاعري المبعثرة هنا وهناك،. صور تمر على عقلي وأمام ناظري، وجه طفلتها، وضعف أمها، قلق أختها ، بدا كل شئ ثقيلا وموجعا!!

ياالله ألهمني القوة والصبر يالله اشفي وفاء

تقدمت خطوات نحو غرفتها المغلقة، وقفت أراها من خلف النافذة الزجاجية، أنهارت دموعي، شعرت بإنقباض شديد يعتصر فؤادي….. آآآه ياوفاء!

خرجت من قسم العناية، اتجهت نحو الصالة الخارجية، أخذت نفسا عميقا، مسحت دموعي، بدأت بإنعاش روحي بذكر الله، تمتمت بالإستغفار والحوقلة كثيرا، حتى شعرت إني قادرة على المساندة.

خرجت لصالة الإنتظار، كان ناصر أمامي،يبدو عليه الإنهيار التام، شعرت بثقل في خطواتي عندما رأيته وبتراجع قدماي للخلف، لكني لمحت بجواره والديه وأماني، في الطرف الآخر هناك والدا وفاء وأخوانها وأخواتها،

أخذت نفسا عميقا ساعدني ياالهي،. تقدمت خطوات حتى رأوني جميعا…

أسرعت أماني وباقي النساء نحوي… الكل بصوت مختلط لايحمل إلا جملا واحده، طمنينا، كيف هي، الأن، بشرينا؟؟

_ اطمئنوا، لا تخافوا، كل شيء على مايرام، لا تقلقوا

لكني سمعت ذلك الصوت الممزوج بالوجع والأنين…نظرت إليها وهي متشبثة بي : أرجوك يابنتي أريد أن أراها ارجوك وأنهارت بكاءا…

_ حسنا ياخالة الأن أكلمهم أبشري، لا تبكي ارجوك

_ ربي يسعدك يابنتي ربي يرضى عنك ويرضيك

دخلت ثانية للقسم، بل هربت منهم، للخوف… للحنين للوجع لكل شئ مر…. مضت ساعة منذ دخولي القسم…

خرجت أخيرا.أبشرهم بموافقة دخول والديها فقط ..

أخبرت والدة وفاء ووالدها بالدخول، ناولتهم الستر الوقائية، والكمامات، غطاء الرأس. توجهت معهَم للقسم وأشرت لهم بيدي قائلة : هنا وفاء ياخالة.

أدرت وجهي بعيدا عنهما للناحية الأخرى، سمعت نحيبها الذي كان يهز كل خلايا جسدي، شعرت بالعذاب الذي يصلى دواخلها كأنه يمزقني أنا لا هي، تمتمت يارب ألهمها الصبر والقوة.

………

مر أسبوعان ثقيلان على كل من يعرف وفاء، الكل يلهج بالدعاء لها،

الساعة العاشرة صباحا من اليوم الخامس والعشرين من شهر جماد الأول، كانت محاضراتي بالجامعة بعد الظهر. فاتجهت للمستشفى أولا لأطمئن على وفاء خاصة بعد استقرار حالتها في اليومين الماضية والإستغناء عن جهاز التنفس.

ذهبت لغرفتها لكني لم أرى أحدا، سألت الممرضة قالت لي : انهم نقلوها ليلة البارحة للعناية المركزة!

اتجهت مسرعة نحو قسم العناية المركزة . وفي الممر وجدت والدتها على الأرض تنوح وحولها أخواتها… التفت رأيت ناصر، ووالده كل الوجوه تبكي، بدا لي حتى جدران الممرات تنعيها، الكل ينوح فقدا ووجعا مؤلما.. أسرعت نحو القسم. منعتني إحدى الممرضات من الدخول، أظهرت بطاقتي، ودخلت مندفعة بجنون، لم تعد قدماي تحملني، أحقا رحلت وفاااااء!!

 

يتبع……

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى