قصةمع سرب الحمام..الجزء الخامس والأخير


سميره التميمي
.ربيع الأول من العام الهجري ١٤٤٤،
تمر الأيام عميقة في داخلك، تجرف معها سيلا من الذكريات الجميلة التي تبهج قلبك، وحينا تحيي ركاما من الأحداث المؤلمة التي تشرخ روحك، لكن كل شئ في الحياة لايتوقف لموت أحد، ولا لحياته… هذه سنة الله في الكون، مهما تمزقت تمضي الحياة، لكن ماذا تصنع بك هذه الأحداث من نقطة تحول هذا هو المهم….
هناك من يطيل الإتكاء، وهناك من يتمدد بشجونه حتى تسترخي كل قواه فلا حراك ولا تقدم! وهناك من تزيده الأحداث قوة كمحرك الوقود الذي يعيد مساراته نحو الإنطلاق أبدا ومن جديد.
أخبرتني أمي أن والدة ناصر وأماني سيأتون لزيارتنا هذا المساء، تعجبت لأن اماني لم تهاتفني بنفسها!!
ثم قلت : لعله إنشغالاتها المعتادة…!!
……………..
حضرت أماني وأمها وقمنا بالضيافة وتبادل الأحاديث
ثم غمزت لي اماني لرغبتها بالإنفراد معي…
أستأذنت امي لأصعد إلى غرفتي مع أماني
ابتدأت الحوار مع اماني بسؤالي عن طفلة وفاء
نوال : كيف حال تغاريد؟
أماني : بخير، والحمد لله
نوال : رحم الله وفاء رحمة واسعة، لا تعلمي كيف أحن لتلك الطفلة كثيرا، حملتها بين يداي حين انجبتها وفاء، كم هو شعور مؤلم أن لاتعيش الطفلة ذلك الشعور الخفي الندي مع أمها ، متأكدة أن وفاء لو كانت على قيد الحياة لأعطت تغاريد حنان الكون كله
أماني : صدقتي رحمها الله رحمة واسعة، لكن لله الأمر من قبل ومن بعد، حقيقي كم هي عجيبة هذه الحياة، وكم هي أقدار الله تخفي في أحداثها ألطافا نستحيل أن نتخيلها!!
نوال…. نحن جئنا اليوم لنخطبك لناصر، فمارأيك؟
نظرت لأماني متعجبة… خيل إلي اني لم أسمع ماقالته جيدا، قلت لها: في دهشة عفوا خطبة من!!
أماني : خطبتك أنت لناصر، لقد طلب ناصر أن أعرض الأمر عليك أولا قبل أن يكون الأمر رسميا.
دهشت من هذه الجرأة وشعرت بإشمئزاز يدفعني للتلفظ بكلمات عنيفة دون شعور مني قلت : ماهذه الوقاحة!!
نظرت أماني في دهشة متسائلة : عفوا!!
نوال : نعم هذه وقاحة يا أماني، أنا آسفة على هذه الكلمات لكن أنت لاتعلمي ماذا فعل بي أخوك في زمن ما، لقد… لقد…
أماني : إهدأي يانوال أرجوك هناك أمور يجب أن أوضحها لك.!
نوال : أي أمور ياأماني، لا أريد توضيحا أبدا، انقلي لأخيك أنه لو كان أخر رجل في العالم فأنا لن أرضى به. أتعلمي! بودي لو تخبرينه إني أتمنى ان أطحنه وأجعله حبا منثورا للحمام…. أو أن يذهب مع أدراج الحياة، ليتني لم أعرفه … بل ليت ذلك السرب من الحمام لم يدهشني!!
أحاطت أماني بيديها نحو كتفي، وضمتني إليها وهي تبتسم في حنان قائلة : أمتأكدة أنت من هذا الشعور؟
أفلت يديها في غضب قائلة : نعم أنا أكره ناصر…. لقد تبدلت كل ذرة حب لذرة كراهية، هل فهمتي، وأتمنى أن يصله ذلك حالا.
أمسكت أماني بيدي ثانية وطلبت مني الجلوس والهدوء
ثم قالت : أدرك كل لحظة تعب وحزن مررتي فيها ياصديقتي العزيزة
_ أتصفي مامررت به بأنه تعب وحزن!
أنا كنت أموت كل لحظة، كل ثانية، هل فهمتي ياأماني؟ ثم أنت تقفي الأن أمامي بكل هدوء لتكوني محامي الدفاع عن جرم أخيك ال….!!!
_ نوال أرجوك اهدأي… لم أتخيل حبك القوي لناصر لهذه الدرجة؟؟
نظرت لأماني في غضب لكنها وضعت يدها على فمي قائلة : اسمعيني أولا ارجوك!
بدأ إعجاب ناصر بك حين كان في الصف الثالث الثانوي، وصرح لي بذلك، لكني لمته كثيرا، بل صفعته على جرأته معك وتماديه في التواصل معك، قلت له : أن هذا ليس من شيم الرجال، التعارف في السر، ومن خلف الكواليس.
لكنه برر فعله أنه لم يلتقي بك ولم يفكر في ذلك، وأنه يخاف الله ولن يواعدك سرا في لقاء خاص، احتراما لحق الجوار، لكني عاتبته كثيرا وقلت له وقتها انه هذا ليس مبرر للإستمرار حتى لو كانت أحاديثكم عادية لكني متأكدة ان ناصر أغرقك حينها في بحر كلماته واشعاره
خَدَعوها بِقَولِهِم حَسناءُ
وَالغَواني يَغُرُّهُنَّ الثَناءُ
نَظرَةٌ فَابتِسامَةٌ فَسَلامٌ
فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ!
هددت ناصر وقتها بأن يتوقف عن ذلك وإلا أخبرت عنه أبي ، لكني لم أعلم أنه وعدني كذبا وخالف ذلك.
جلست على السرير وبدأت أشعر بالإسترخاء، نظرت لأماني قلت لها : نعم
ثم تابعت قائلة : لقد كان خطأكما معا، الحب إن سكن في القلب وكتب رزقا فليس معناه أن نعيشه في الخفاء. فإذا تعلق قلب رجل بامرأة يحل له نكاحها أو العكس فليس له من حلٍ إلا الزواج لقول النبي صلى الله عليه وسلم ” لم نرَ للمتحابَّيْن مثل النكاح، لكن المصيبة التي وقعت حين ذاك كانت عندما زارنا عمي عبدالله وطلب منه ان يتزوج وفاء تحقيقا لرغبته، وأخبره بأن وفاء شخصية حساسة ورقيقة وانه يخاف عليها بعد عمر طويل من رجل لا يرعى حق الله فيها. طبعا لو استمع ناصر لنصيحتي وقتها لكنا ارتحنا من هذا العذاب لكن مع الأسف كان ناصر عنيدا ومصرا
وقال لعمي: أنا لا أعدك بذلك ياعمي فلتعذرني
مرت السنوات وعندما سمع عمي برغبة ناصر بالزواج، جاء إليه مسرعا، وأعاد طلبه، لم يعرف ناصر حينها ماذا يفعل جاء إلي باكيا نادما كان يشعر بإحتراق في كل لحظاته يانوال،
_ ولماذا؟؟ لماذا لم يقول لا؟
_ لقد قال لا قالها مرارا وتكرارا
لكن عمي مع الأسف الشديد، كان انانيا لدرجة لاتتخيلينها ، لم تكن تعلم وفاء بهذا، لكن حب عمي الشديد لنفسه و لأبنائه. جعله يهدد ناصر برفع ديون ابي للقضاء التي سددها عنه وأنقذه وقتها من السجن، قال ناصر لعمي بأنه مستعد لتسديد ديون ابي لكن المبلغ فوق طاقتنا واكبر مما كنا نتخيل!
صدقيني يانوال لم يجد ناصر بدا حينها من الاستسلام وقبول هذا العرض واستلم جميع الشيكات التي قد تدفع بابي للسجن، ولكن هل تعلمين متى؟
بعد وفاة وفاء بشهر جاء عمي باكيا لناصر، ومعتذرا.
كان يشعر حينها بأنه ظلمنا جميعا، لكن ناصر لم يظلم وفاء أبدا يانوال ولم يظلمك، لقد تعهد ان يفتح لعالمه مع وفاء صفحة جديده وأن يكون مخلصا وفيا لها، وأن يجعلك تعيشي حياتك كما تريدين، لقد كان قراره هذا بعد معاناة طويلة لايعلم بها إلا الله، صدقيني يانوال لقد خبأك ناصر في قلبه ووعد ضميره ان لا يأتيك منه أذى
وعاهد نفسه انك لن تغادري منه للأبد إلا إذا تزوجتي برجل غيره…
وما أدراكَ أني لا أحنُّ؟
وأني من لظى شوقي أُجَنُّ؟
وأني ليسَ يُضنيني حنيني
وطيفُكَ في خيالي لا يَعِنُّ
تمنيتُ اللقاء وكان ظني
بأن تأتي الحياةُ بما أظنُّ
فخانتني الحياةُ وتاهَ دربي
وظلَّ القلبُ في صدري يئنُّ
والأن يانوال هل اقول مبروووووك؟
……………………
دعوة
بمناسبة زواج الشاب ( ناصر بن عبدالرحمن)
على
الدكتورة ( نوال بنت عبدالمحسن)
يشرفنا دعوتكم للحضور وتناول طعام العشاء
وذلك يوم الخميس الموافق 1/ ديسمبر /2022
دامت دياركم عامرة بالحب و المسرات
تمت…