كاشير رقم 4…الجزء الثالث والأخير


سميره بن سلمه التميمي
ينتابني شعور بالأسى في كل مرة أسير فيها نحو عملي
أشعر أني أقاد نحو زنزانة بائسة، خطواتي ثقيلة يكبلها سلاسل من حديد!! ليس لأني لاأحب هذا العمل لكن لتلك المعالم التي باتت تشكل الكثير من الخدوش في حياتي.. أنا أضعف من تلك القوى الهائلة التي يحسدني عليها الجميع!
أظل أنثى قوتي في ضعفي في حيائي في حاجتي لرجل يكون هو الحصن الذي أفخر بكينونتي داخله آمنة مطمئنة…
زخات المطر بدأت تتساقط وأنا متجهة نحو عملي، آآه ماأجمل أن تستكين روحك برقائق تغمرك بحنينها وبدفئها وتغسل كل الشوائب التي تزهق روحك، فتعيدك للحياة بأمل من جديد…
“الجو ذكّرني بوجهك يا أبي..
غيثٌ يمرّ على القلوبِ خفيفًا”
في عملي تعرفت على الكاشير رقم (6) مصادفة. إسمها أمل جمعني بها حادثة كانت كافية لذبولي عاما كاملا، لكني كنت أدرك أن دعوات أمي ترافقني بعد الله في كل خطوة، رضى أبي عني كان يرسل لي رحمات من رب العالمين على هيئة بشر ماأعذبهم.
أنهيت حساب هذا الزبون في لحظة اقتراب أمل مني تطلب صرف مبلغ خمس مئة ريال، أشرت لها بيدي لتنتظر ريثما انتهي من محاسبة هذا الزبون.
قلت له : خمسون ريالا فقط.، مد لي يده بورقة من فئة مئة ريال، لكني شردت بذهني حينها ويبدو أن وقوف أمل جعلني ابدل الأدوار فأعطيت الرجل0صرف المبلغ متفرقة وأعطيت أمل خمسون ريالا.!!!
في تلك اللحظة صرخت أمل و سجاد منبها لي، بأني أخطأت، لكن الرجل أصر أنه أعطاني خمس مئة ريال…
زادت حدة الموقف، وبدأ الرجل يشتم ويرفع صوته ليكسب الموقف لصالحه، وحاول الهرب لكن سجاد منعه وألتف رجال الأمن في دقائق، وشعرت أني كالغريقة قد تخذلها الأمواج!
في مكتب المدير تم حل القضية بطريقة ودية وانتهت لصالحي. لم أنسى موقف أمل وصمودها معي ومرافقتها لي، مضى على علاقتنا شهر ثم……..
………… .
نحو ذلك السواد الصاخب الذي كنت أصارعه كل يوم بأي شكل من الأشكال، كان هناك أحمد الكاشير رقم 5 وكان سجاد العدو اللدود له، لم يترك أحمد حيلة ولا منفذا للتواصل معي إلا وسلكه، لكن ( سجاد) كان بالمرصاد لكل محاولات أحمد بالإقتراب مني!
ذلك المساء وفي وقت استراحة صلاة العشاء، لاحت لأحمد فرصة الإنفراد بي في مكان استراحتنا .
أحمد : مساء الخير
إلتفت إلى أحمد دون أن أتحدث ثم ارخيت نظري… اعبث بجوالي بطريقة عشوائية من شدة التوتر، ويتجه نظري نحو ذلك الباب وكأني انتظر ( سجاد) يأتي لينقذني في الحال.
همس احمد بصوت خافت : مارأيك ان نخرج سويا بعد نهاية الدوام،. لدي الكثير مما أريد أن أقوله لك!
قمت من مكاني متضجرة وقلت بحزم إن لم تكف عن إزعاجي سأخبر رجال الأمن، وساصرخ الأن.
تفاجأ أحمد من ردة فعلي، وانا التي كما يقول جامدة كالجبال وبلا شعور! وطلب مني أن أهدأ ثم قال :
أزهُو إذَا لَمَحَت عَينَايَ عَينَاكِ
وَتُزهِرُ الرُّوحُ إن فَازَت بلُقيَاكِ ”
شعرت بجمود في قدمي، بإختناقات في روحي، شعرت كم هذا العالم بليد حقير! ذلك الوجه الأسود الذي لايرى الأنثى أنها شئ جميل ونقي وطاهر، يجب أن يحمى من كل شئ، إنها قطعة ثمينه ومن الواجب أن يعتبرها كأمه وأخته أو ابنته.
لماذا بعض هذا العالم يرانا منفذا لشهوته، ومساحة للعبث بما يشتهي ويريد،. فقط لأني خرجت من المنزل وعملت كاشيير !!
قطع صمتي إمتلاء المكان، واقتراب سجاد من خلف احمد وبلهجته الركيكة الشديدة قال له : إن أمي أوصته بحمايتي، وأنه إذا أراد شيئا يمكنه التوجه مباشرة لمنزل أمي.
ابتعد احمد غاضبا و ظل يراقبني من بعيد ثم ساد بعد هذا الحدث صمت طوييل بيننا …….
……………..
الوجه الرمادي…
أنا أمل أحببت عفاف كثيرا، شدني ثباتها رغم العواصف، شموخها وكبريائها كأنثى كان جذابا للجميع، حياؤها الذي أذعن الجميع لها إكبارا وإحتراما….
ذات صباح رأيت عفاف متعبة كثيرة، استأذنت من المدير لمرافقتها للعيادة لكنه رفض، قبضت على يدي بقوة وشكرتني كثيرا، قالت لي لاتقلقي استطيع الذهاب لوحدي، أنزلتها برفق كانت عيناها مليئة بالحزن، كنت ألمح شيئا مختلفا فيه، مرت عفاف على سجاد وقالت له شكرا سجاد على كل شيء، لم يفهم سجاد شيء لكنه ابتسم، وعرض على عفاف المساعدة كعادته لكنها قالت بأنه لاحاجة لذلك.
كنت أشعر أن هناك الكثير من من يملئون عقلها ضجيجا
هناك الكثير الذي يمتلأ بين عينيها فيحجب عنها الرؤية.
ظلت عيني تراقبها حتى غادرت المكان.
أدرت ظهري لها و دقائق بسيطة وإذا بي اسمع صوت حادث قويا لإصطدام سيارة بأحدهم خارج المتجر.
ركضنا جميعا في هلع…… صرخنا بصوت عميق مجروح خيل لي أنه إمتلأ في العالم كله بإسمها عفااااااااف……!!
………….
كانت تقول لي ذات مرة : ابي يناديني ياأمل، أشعر أني سألتقي به قريبا،
أمل : أذكري الله ياعفاف انت تحملين نفسك فوق طاقتك
عفاف: بالأمس شكوت له عن أحمد والكثير الكثير الذين يشبهون أحمد، لقد أخبرت ابي ياأمل ان قلبي بدأ يهتز.
لقد أخبرته أن لدي رغبة بالحديث مع احمد، وأني لم أعد أقوى على الصمود أكثر من ذلك. ولكن أبي كعادته يا أمل يعلمني حتى عندما رحل لايزال يعلمني.لقد قال لي شيئا جميلا ياأمل
أمل : ماذا حدث؟
عفاف : قال يابنتي هيا رددي معي هذا الدعاء ( اللَّهمَّ بعلمِكَ الغيبَ وقدرتِكَ على الخلقِ أحيني ما علمتَ الحياةَ خيرًا لي وتوفَّني إذا علمتَ الوفاةَ خيرًا لي)
ثم…
آمل : ثم ماذا؟
عفاف : ثم امسك بيدي ودخلت معه قصرا جميلا كبيرا
وظللت في حضنه ياأمل.
امتلأت عيناي بالدموع قبضت على يديها وقلت لها : هيا انتهى وقت الاستراحة.
……………..
بعد ثلاث أيام من الغيبوبة في العناية المركزة رحلت ( عفاف) بل رحل ( العفاف) كله،لم أكن أعلم من أواسي اهي نفسي التي تاهت في دروب الحياة بعد رحيلها، ام أنفاس والدتها التي تقطعت حزنا وكمدا عليها؟؟
أي القلوب التي لم تتفطر على رحيلك ياعفاف؟ يا فتاة القيم والمبادئ، يا صرخة في وجه كل الشهوات، ياصمودا في وجه كل الفتن..
عفاف تلك القيم الجمالية في صورة إنسان رقيق، كانت كل مأساتها أنها تقبع في عالم لا يحترم بعض سواده قيم ومبادئ الأخرين، عفاف وألف من عفاف غيرها تركوا رسالة، تخبرك بأنها أنثى تشعر وتميل وتحب
وتكره وتحزن وتضجر. فإذا قابلت في حياتك شخصا كعفاف متمسك بقيمه ومبادئ، متجنبا فضول مساراتك المتخبطة في الحياة.. فإياك أن تعبث به، إياك أن تعبث به!!
عفاف أنت أثر ونحن نعدك أننا على خطاك سنسير
ربَّاهُ عونكَ فالأمواجُ عاصِفُةٌ
ومركبي تائِهٌ والبـحرُ مَسْجُـورُ
تمت…..