شيء من التاريخ

كنت شيئا و لم تكن…
المسألة ليست أن تكون أو لا تكون…
حوار بين عالمين…

نحن هنا الآن و لا أحد غيرنا، سويّة نسير و نتحدّث… و هناك يقف غيرنا ينتظر سقوطا مدوّيا…

هنا نقف غير محسودين على حالنا، يرانا من يرى و يجهلنا الباقي و بينهما نحاول مطوّلة حتّى النّهاية: “لن نهرب هذه المرّة كما أنّنا لن نستسلم، و لن نكون تجريدين أكثر ممّا نكتبه بل سنكون شيئا منه… و سنكون جديرين بالحياة كما ستكون رؤوفة بنا، ستعطينا من عطايا ربّها و سنشكر لها معروفا، لن نكون عبِسين مكتئبين فربّما نساعد الكون ليتوازن، و ربّما نجد الهويّة في التّوازن و ربّما نتخلّص من صيغ التّرجيح و الإمكان و نضبط رأينا دون تنسيب فربّما كنّا متأثّرين بالنّسبيّة….
كلّ ما سبق يلغيه شيء من التّاريخ الآن

التّاريخ، الزّمن، الفراغ،اللاشيء… انخيدوانا،مردوخ،سنطروق،سرجون…
الحزن،الزمان، المكان…
النهايات، الوداع،الموت…

مازلت أفكّر و مازال الكون يحاول أن يلغي ما لم أقله و مازالت الحياة تسير حيث لا أعلم، هل يمكنني حقّا أن أهزمهما أم أنّني سأتركها، يحدّثني بياض الأبد أن لا شيء جليّ فلا تعتمدي على أحد حتّى ظلّك أنسيه حيث أنت فربّما يأتي يوم لا تجدينه واقفا معك، أمكّ ربّما تجيدين فيها الحقيقة، أصرارك فيه غباء لم تر البشريّة قطّ جنونا مثله، في ضواحي مدينتك التي تسيرين إليها يغيب الأفق و لا يحضر سوى العدم فأنت لم تكسيها بشيء حتّى تعمر، في قريتك التي تعيشين فيها الآن و التي عدت إليها سريعا بشوق مفتعل يرضي الخاطر و بمضض داخلي يمتصّ طاقة عروقك حتّى تجفّ و الحال أنّها لم تسقَ منذ أمد، هي قرية تسير إلى العدم … في عائلتك التي تعرفين يغيب كل شيء و لا يحضر شيء لكن العدم لا يدري سبيلا لها، في عائلتك الموسّعة مع ضميرك و نفسك و شخصيتك و قدرك و حياتك و أخلاقك…. لا تدري من يغيب و من يحضر هم أنفسهم لا يعرفون أنفسهم أنت نفسك لا تعرفينهم ربّما هم غائبون حاضرون و ربما هم حاضرون في ذهنك فقط و ربّما لا شيء حقيقي،…
لا أصدّق شيئا ممّا يحدث، مازلت أسير نحو العدم ببطء مقلق يدمي القلب و يتعب الجسد، مازال من لا يدري إلى الحياة سبيلا يراها وردة الجنان و ماعاد من ألفها يراها كذلك بل بات يراها الأفضل بين ورود حدائق بابل، تستحضر مع عائلتك الموسّعة مالا تستحضره دوما: الفراغ، النهايات، الموت، سلسلة العدم و المسار نحو اللاشيء، في خاطرك ترى ما يرى النائم :تاريخ، أدب، فلسفة، فكر، أقتصاد، جغرافيا العالم بين ثنايا حلمك، تقف مكتوف الأيدي و لا تستطيع لحراكها سبيلا، تُرى متى تتحرّك تلك اليد التي كانت بالأمس سليمة و أضحت متعفّنة قتلها حلم الأمس و لا تدري لعلّها تبقى في عفنها الدائم، ربّما يقتلها، و ربّما يُحييها الغد متى شاء، لكنّها تقلق مشاريع الغد و ربّما تعطّلها…
تقف عند خطوط تاريخها و تعشق كلف الحياة، فمنذ الأزل كانت تراه دون أن تعي جوهر الحياة لكنّها وجدته فيه……
ماعادت المطوّلات تعنيني، فلن أكمل شيئا، الأنسب أن نفكّر كيف سنموت لا كيف سنمضي ما تبقى من بقايا أوراق الامتحان الاخير…. ”

مازلنا نقف هناك غير محسودين، بينما هناك من ينتظر النّهاية، ربّما قريبا ستأتي….

كفانا هراء، مازال الغد في الطريق نحونا، لكنّي أرى فيه غدا زائفا أكثر من غيره، أراه غد يزدجرد و هناك من يراه غد صلاح الدين، و هل في غد صلاح الدين ما يفرح أو يحزن، هو إرث تركته لأنصاف حكام…. الغد هو غد تحضر فيه الأمال كما تحضر فيه الخيبات… و ما أقسى خيبات الأمل، خيبات تأتي بعد أنتظار طويل: ربّما هي كخيبة من أنتظر غدا أجمل أو من أنتظر نجاحا، أو من أنتظر أملا يولد أو من أنتظر نصّا يقرأ فوجد سرابا، تلك هي الخيبة تعلّموها و احفظوها جيّدا فتاريخنا حافل بها….

تلك مقدّمة تعلّم الخيبات و مازال درسها طويلا مادامت علما نافعا لكنّ الأمل يأتي منها…

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى