الأدب والشعر

لا أملك مخرجاً للطوارئ

يعقوب السعيدى

يعقوب السعيدى

جسر أنا معلق في زوايا الزمن، تعبر من خلالي الأيام والسنين، كنقطة وصل تلتقي على متنها أبعاد الزمان وتسلَّم فوق أشلائها العُهد والنوبات..قد تبدو لفظة “العهد والنوبات” غير مقبولة أو غير مفهومة للبعض، حسناً تريَّثوا وتابعوا القراءة يارفاق.

أقصد بها الأوقات التي تُسلَّم وتُستلم عندها ساعات الدوام، يُسلِّمُني النهار لليل ويتبادلوني صباحاً، ويسلِّمني كُل عام إلى العام الَّذي يليه،وتستمر حكاية التعاقب والتتابُع الَّتي أمثِّل مركزها، وكأنني صورة في جدار الزمن،كُل فترَة أُعلَّق على جِدار.

يتخلَّلني المساء كُل ليلة متسلِّقاً روحي ومُتداخلاً مع جُزيئات جسدي المنهك بعد يومٍ شاق، بعد أن يهمس في أُذنيه النهار بما تبقَّى له من نور قائلاً: هو لك. وعلى شرف أستِقبالي يقيم المساء حفلة صاخِبة، يدعو إليها أمراء الحزن وجيوش الذكريات وقادة الفِكر وشعوباً من الهموم، يندفعون نحوي في لحظة واحدة وكل واحد فيهم يريد أن يصل أولاً، وقبل نهاية الحفل أقرِّر أن أفتعل بعضاً من التثاؤب لعلِّي أغادرهم، ولكن دون جدوى؛ اتوه في شوارع الليل وينتهي بي الأمر وحيداً_إلا من ذكرياتي وهمومي_اتسوَّل النوم على أرصفة الأرَق، أهُش عنِّي الذكريات والهموم بعصا الخيبة، وأقلِّب بصري بين حيطان الغُرفة وسقفها، وقُبور الأوجاع والذكريات تتبعثر من حولي وكأنها في عرصات المحشر، هذه قيامة صغرى بلا شك! ولكن الذكريات هي من تحاسب ربّها، تتجاذبني من أطرافي وتخلع عني ثياب النوم حتى تعرِّيني تماماً، “هذه قيامتك يايعقوب” أقول في نفسي، لا أتهرَّب كثيراً من الحساب ولكنِّي أيضاً لا أعترف بكل شيء..لحظة من فضلكم يارفاق لآخذ نفساً عميقاً واتبعه بكأسٍ من الماء، حسناً عُدت من جديد، أحاول الدفاع عن نفسي كوني كنت قليل الحيلة، دون جدوى، كُل شيءٍ هُناك مسجَّل في كتاب، اتصبِّب عرقاً وجهاز التكييف في محاذاتي يبذل جهده بكل ما أوتي من فولتات وشحنات، ثم ينظر إلي فاغراً فاهه متعجِّباً وهو يصرخ في ذهول: ألم يكفِك كل هذا؟! الأمر أشد من ذلك ياعزيزي؛ الهذيان الَّذي يتساقط منك أقل من أن يطفئ الإحتراق الذي يحدث في كل طوابق ذاكرتي ولا أملك مخرجاً للطوارئ انجو به بما تبقَّى من سويعات في أطراف هذا الليل!

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى