السرير


محمد رياني
هو أوفى الأوفياء، بل هو أكثرُهم وفاء، صامتٌ مثل جُبيْل أخضر ترزقه السحائبُ فيكتسي بالخضرة؛ غير أن لونه أحمر، رائعٌ بقوائمه الأربع وحباله التي أتوسدها ، أحمله وقتَ النوم والاستيقاظ بحثًا عن راحتينا ، أُحبَّ فيه ثباته على الرغم من الحركة، جماله وهو يجاور الحائط الرمادي، فرحته معي يوم العيد عندما نطليه باللون الأحمر، روعته واللحاف يرفرف عليه سعادة مع نسيم الصبا، جيء به وأنا صغير، وضعوني في ( هندول) من قماش أبيض وأخذوا يهزُّون القماشَ وأنا بداخله كي أنام، أو ليسلموا من حركاتي وشقاوتي البريئة، النومُ فيه بألف منام، أحلام الطفولة، وابتسامات النوم، والاستغراق وقت القيلولة، كبرتُ وبقيتْ قوائمه محتفظة بقوتها وثباتها، لم تؤثر فيها الشمس ولاتصرُّم الأيام، أو نقله من الظل إلى الحرور، وعندما مشيتُ وازددتُ طولًا وأصبحتُ قريبًا من طوله طاب لي الاسترخاء عليه، لم تزدني آثارُ حباله المنظومة عليه وقد طبعتْ على ظهري إلا حبًّا له ، أحببتُ القمر والليالي البيضاء وأنا مسترخٍ عليه، وعشقتُ مواسمَ الربيع وأنا في الظل أستمتعُ بسكونه وحُمرته، تبدلتِ الأغشيةُ عليه، ذهبتْ عُلبُ طلاء حمراء وحضرتْ أخرى لتدهنه وقد استعارَ من فرحتنا به فرحتَه، جاءتْ أيامٌ وغابت بعض الظلال، توسدنا مراتبَ وثيرة، وغرفًا مصمتةً لانكاد نرى لونَ الربيع أوقمرَ الصيف، اقترحوا أن يُرمى في موضعِ النفايات، لم تعد حمرتُه تعجبُ الناظرين، ولم يعد للظلالِ نصيبٌ من بقائه تحتها، بكيتُ كيوم كنتُ طفلًا يريد أن ينام في هندوله، وازداد بكائي وأنا أتذكر قدميَّ الممدودتين وقد جاوزتُ برجليَّ عارضَه القصير، رميتُ نفسي عليه كي لايُلقى في العراء، طمأنوني وجلسوا بجواري عليه، تمنيتُ لو ربطوا في رأسيْ قائمتيه الحمراوين هندولًا وأعادوني للطفولة، قلتُ لهم :أريد أن أنام نومةَ الصغار ولايلقون به إلى التهلكة ، أطاعوني واحتفلتُ به، أطلَّ القمرُ وغاب وحضرتِ الشمسُ وبقيتُ أضرب قدمًا بقدمٍ وأنا أحتفي به.