تحالف قوى الوطن

كثيراً ما نسمع عبارة يرددها المصرين يقنع بها الكبير الصغير الوحدة الوطنيّة كلمتين متلازمتين تترددان على ألسنة السّياسيين في معرض الحديث عن الحالة الاجتماعيّة فمتى ما توفّرت تلك الحالة الإيجابيّة في المجتمع فهذا يعني أنّ البلد في حالة مستقرة سياسيًّا واجتماعيًّا، وإنّ وجود ما يسيء إلى الوحدة الوطنيّة في بلدٍ من البلدان من أفعالٍ أو أقوالٍ فهذا يهدّد تلك الحالة الإيجابيّة وربّما أدّى إلى كثيرٍ من الفتن والمشاكل بين مكوّنات المجتمع، فما هو تعريف الوحدة الوطنية؟ وما هي الأمور التي تحقق الوحدة الوطنيّة؟ وما هي الأمور التي تسيء لها؟

تُعتبر السّياسات المتّخذة في الدّولة من أهمّ الأمور التي تحقّق الوحدة الوطنية، فحينما يتضمّن دستور الدّولة نصوصًا جادّة في التّأكيد على الوحدة الوطنيّة والتّأكيد على معايير النّزاهة والمساواة بين المواطنين، ومساءلة من يتعرّض للوحدة الوطنيّة بالقول أو الفعل، وتنفيذ تلك السّياسات على أرض الواقع فإنّ ذلك يضمن بلا شكّ أن تتحقّق الوحدة الوطنيّة في البلد. كما أنّ من الأمور التي تُحقّق الوحدة الوطنيّة تثقيف وتربية المجتمع على ما تضمّنته شريعة الرّحمن من توجيهات تدعو إلى الوحدة بين مكوّنات المجتمع المسلم دون محاباة أو تمييز؛ فالمسلمون سواسية كأسنان المشط، ولا فرق لغني على فقير ولا لقوي على ضعيف إلا بالتّقوى.

تحقيق الوحدة الوطنية ترتكز الوحدة الوطنية لتحقيقها على عدّة أدوار، لخلق النسيج الوطني والمجتمعي المتلاحم، حيث تتبع هذه الأدوار لما يأتي: الأسرة وهي من أهم المؤسسات المجتمعية المسؤولة عن تنشئة الفرد على مجموعة من القيم الحميدة، وتكوين الوجدان الثقافي والتربوي لدى الفرد، ففي الأسرة يتلقى الأفراد أسس الآداب العامة، والمقدّسات الاجتماعية التي يجب عليه احترامها ومراعاتها، وفيها تُخلق أبجدية حب الوطن والانتماء الأولى لديه، وتتشكّل معاني الاعتزاز والفخار تجاه الوطن بما يسمعه ويراه الفرد من أهله وذويه. الدين تحرص كافة الأديان على اختلافها على مفاهيم السلام والانتماء للوطن ونفع الغير، وتسعى بما تملكه من إمكانات روحية وأُطر إلى دمج الأفراد في النسيج الوطني بما يخدم وينمّي مفهوم الوحدة الوطنيّة، ورقيِّ المجتمعات والحفاظ عليها مما قد يطالها من آفات وأضرار، عبر ما تبثه في النفوس من مفاهيم خير وعدالة ومساواة بين البشر على اختلافهم. الإعلام يظهر دور الإعلام المسموع والمرئي جلياً كمؤثر في توحيد صفوف الأمة وتماسكها، لا سيمّا في وقت الأزمات، وهو ما يعني دوره الكبير في تحقيق مفهوم الوحدة الوطنية وتكاتف الشعب حول حب الوطن وسيادة الدولة وحماية مقدساتها، بالإضافة إلى توجيه الشباب وتوعيتهم في هذا الخصوص. التعليم تسعى المؤسسات التعليمية على اختلافها على غرس قيم الوطنيّة والانتماء في الأفراد منذ نعومة أظافرهم، فتبنيهم على التشبث بالهوية الوطنية، والولاء للوطن، وتأخذ بيدهم لبنائه بالمشاركة في المبادرات المجتمعية والمناسبات الوطنية على اختلافها، بما ينمّي هذه القيمة ويزرع فيهم الشعور بالفخر والاعتزاز. نتائج تحقق الوحدة الوطنية يعود تحقيق مفهوم المواطنة السليمة والوحدة الوطنية على المجتمع والأفراد بنتائج إيجابية عدّة تتمثل بالآتي: وأد الفتن الداخلية وانتشار السلام نتيجة لعدم وجود النزاعات العقائدية والعرقية، وتغليب لغة الحوار. ازدهار مؤسسات الوطن نتيجة للعمل المخلص والدؤوب على تطويرها. ازدهار القطاع الاقتصادي والارتقاء به وتلاشي المشكلات الناتجة عن تراجعه تدريجياً.

ونذكر مشهدا عظيما حيث تجلت الوحدة الوطنية في حادث حريق كنيسة أبو سيفين بمنطقة مطار إمبابة، وانعكس ذلك في مشاركة المسلمين والمسيحيين سويًا، في إنقاذ ما يمكن إنقاذه من المصابين، والضحايا الذين سقطوا في هذا الحادث المفجع، والذي خيم بحزنه ليس على مصر فقط، بل على العالم بأكمله، وعلى الرغم من مرارة الواقعة، إلا أن الرسالة الثابتة والمتعاقبة في هذا الوطن تؤكد أن مصر بخير دائما ولا خوف عليها، لطالما أنه لا مكان لمحاولات المتربصين للنيل منه، وطالما أن المصريين من نسيج واحد.

يوما بعد يوم، ورغم تعاقب الأجيال، دائما يثبت المصريون أنهم يد واحدة في الأفراح والأحزان، وهذا ما يميز مصر عن أي دولة أخرى بهذا العالم، فدائما يعلو فيها صوت الحق والتماسك وأتحادومواجهة كل المؤامرات التي تحاك ضد وطنهم، فلا يقبل المصري أي تدخلات خارجية قد تكون مزركشة من الخارج، بينما تحمل في باطنها نيران تريد التهام الأخضر واليابس، وفي نفس ذات الوقت، لا يقبل المصري التدخل في شئون غيره، إيمانا منه بعقيدته الراسخة التي لا تتغير مهما تغيرت الأزمان.

سيطرت المشاهد الإيجابية على أوجاع حادث حريق كنيسة أبو سيفين، متمثلة في دخول المسلمين إلى داخل الكنيسة، لإنقاذ أرواح أشقائهم المسيحيين من النيران المتوهجة، إلى جانب إسعاف الآخرين للمضارين من الأدخنة، والتي خلفت عشرات الضحايا لاسيما من الأطفال نتيجة الاختناق والتدافع، في محاولة الهروب من شبح النيران المشتعلة، لهذا غلبت إيجابيات الحادث على مرارته وكل الشائعات التي خرجت مستهدفه وحدة هذا الشعب وتماسكه.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى