حكايات من السودان…الحكاية الثالثة


الكاتب فايل المطاعنى
زاهر
شادية عبدالله
لما أتحدث عن الفقد لا أتحدث عن فقد الموت
و هنا تصمت من تروي لنا الحكاية قليلا ثم تضيف. وهي تبث لوعت الشوق و تشتكي للجدران الذي أصبح صديق لها بعد أن فارقها إبنها. فأصبحت تسجل يومياتها وبوحها للجدار وبعد أن أخذت نفسا عميقا، ودمعة كبيرة سقطت على الأوراق على حين غفلة. سرعان ما إدركت الموقف، وقالت محاولة أن ترسم البسمة على وجهها الذي حفر فيه الزمن تجاعيده . الوجه الذي لم يعرف الفرح منذ أن سافر أبنها طلب لحياة أجمل ، التفتت إلى الجدار وقد تذكرت أنها نسيت نسيت أن تعرف القراء عليها
فقالت: يا إلهي لقد نسيت أن أعرفكم على نفسي
أنا والدة زاهر. أسمى شادية عبدالله سيدة في أواخر الخمسينات.
وأضافت ملاحظة
قائلة (والدة تنتظر عودة ولدها بين الفينة و الاخري) ولكن قبل أن أحدثكم عن غربة ولدي،سوف أحدثكم عن طفولة زاهر التي لا زلت أذكرها رغم مضي أثنان وعشرون عاما.
زاهر هو أكبر اولادي، ولد ودرس في نفس القرية المسلمية وبعد أن تنهدت ذهبت ناحية النافذة لعلها تلمح طيف ابنها
وأخذت تنظر إلى بعض أحياء القرية وتقول: قرية المسلمية تفتقد ولدي أيضا وعندما أمر على المحل الذي كان لولدي قبل أن يرحل أبكي، فأنا أري ابني زاهر بأبتسامته جميلة وهو يلوح لي بيده ويقول :سوف أغلق المحل بعد قليل فاليوم الربح كثير. بكت بحرقة
وفتحت دولاب ملابسها وأخرجت منه
قميص أشترته في ليلة العيد لولدها هذه عادتها أن تشتري له ملابس العيد حتي وهو غائب، وتعطرها له وصباح العيد تخرج الملابس و تقبلها
ثم تحتضنها بشوق وبعد ذلك تعيد الملابس إلى الدولاب وليلة الجمعة تذهب إلى غرفته لكي تنظفها وكأن زاهر لا زال موجود ،فهى تعلم أن مملكة زاهر هي غرفته ،فأخذت تلمس كوب الشاي بيدها وهي تتخيل زاهر وهو يشرب الشاي واخذت ترتب الفراش وتحتضن الوسادة التى يحب زاهر أن النوم عليها، وصدفة وقعت بين يديها رسالة خيل إليها أنها رسالة غرامية وأبتسامة أبتسامة حانية ،وهي ترجع بذكراتها إلى الوراء عندما أخبرها زاهر أنه يحب وأنه سوف يذهب خارج السودان ليجمع ثمن المهر و يرجع و لم تقرأ الرسالة ولكنها لمحت بين أسطرها كلمة
حبيبتي سكينة
وجلست على الكرسي الذي كان يجلس فيه أبنها ايام الدارسة ،لم يكن محل اهتمام قبل أن يرحل زاهر و لكن الان صار كل شي في هذه الغرفة يثير أهتمامها. وبعد أن نظفت الغرفة وقبل أن تغلق الباب قالت وبصوت منخفض بدا عليه الوهن والتعب
( زاهر عليك الله أرجع )