Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
الأدب والشعر

إزدواجية الحب والاعجاب في التفكير الفلسفي 

د.آمال بو حربص

د.آمال بو حربص

إن الخطاب الفلسفي الذي يعقلن المشاعر والأفكار المحلل للذات البشرية وابعادها الوجودية خطابا تأرجح في مفهومه للحب بين الواقعية والوجودية فهو خطاب كتب بأيادٍ ذكورية بإستثناء “حنة أرندت “و”سيمون دي بفوار” إذ قليلا ما كتبت أمرأة عن فلسفة الحب لذلك لا عجب أن يؤكد من الفلاسفة المعاصرين الذين نظر وا بإيجابية لموضوع الحب وهو الفيلسوف الفرنسي “ألان باديو “ا أنه «نتاج الحقيقة» وخبرة ترتكز على تجربة اثنين ويرى المفكر الإسباني “خوسيه أورتيجا “أن الفيلسوف يحدد الأمور ببراعة من دون تردد ويطارد بملقطه العقلي عصب الحب المرتعش.

غير أن الحديث عن الحب يحشد تجارب مجتمع المفكرين والمثقفين فيجب أن نُميّزه فلسفيًّا عن المشاعر الإيجابية الأخرى التي نتخذها تجاه الآخرين مثل الإعجاب إذ يختلف الحب عن المشاعر الأخرى – كالإعجاب – من ناحية عمق الشُّعور بداهةً وشرح هذا العمق البديهي هناك بعض التحليلات تحاول شرح هذا العمق جزئيًّا عبر طرح تقديٍر لما يرقى إليه شعور الإعجاب “سينغر “يقدّم الإعجاب بوصفه مسألةَ رغبة وسلوك يطرح في المُعجَبِ به قيمةً ذرائعيَّة لا قيمةً ذاتيَّة لكن هذا العرض غير كافٍ إذ توجد بالتأكيد سلوكيات نتخذها تجاه الآخرين تتوسَّط ما بين كون الرغبة غايةً وكون الآخر مُحبَّبًا فمن الممكن أن أهتمَّ بشأن شخصٍ ما لأجله فقط دون التذرّع به بغيةَ الحصول على غايةٍ ضمنيَّة ومع ذلك مثل هذا الاهتمام لا يرقى بالضرورة لحبِّه وعلى نفس الوتيرةأنا قادرٌ على الاهتمام بكلبي بنفس الطريقة إهتمامًا لا يرقى للحب الشخصي.

ثمَّةَ أطروحةٌ أخرى هي الأكثر شيوعًا بالنظر إلى عمق الشعور يمكننا تمييز الحب عن الإعجاب عبر النظر إلى الحب من خلال تأطيره هُوُيَّة الفرد ودمجها مع الآخر.

أن تحب شخصًا ما هو أن تُعرِّف نفسكِ معه ومثل هذا الاندماج غير ملموسٍ في شعور الإعجاب بالآخر تقول نوسساوم في هذا الصدد: “الاختيار بين حُبَّين محتملي الوقوع أشبه بـاختيار أسلوب حياة- بل هو حقيقةً كذلك. وهو العزم على أن يكرّس الفردُ نفسه لهذهِ القيم عِوضًا عن تلك”ظاهرٌ لنا أن الإعجاب لا يتحلَّى بهذا النوع من العمق السؤال عمَّا إذا كان الحبُّ متضمنًا لشكلٍ من أشكال الانتماء وإن تضمنه فكيف نفهمه هو سؤالٌ يجسّد موضع الخلاف المركزي بين التحليلات المختلفة للحب.

ترى” وايتينق” كأن التوسُّل بمفهوم الانتماء يشوّه تصوُّرنا لنوعية الدافع الذي يقدمه الحب فلو أخذنا مفهوم الانتماء بمعناه الحرفي لانطوى عليه أن الحبَّ يحفزنا من خلال المنفعة الذاتيَّة لا من خلال ابتغاء منفعة المحبوب وبالتالي ترى وايتينق أن الحبَّ يتمحور حول إمكانيَّته في أخذ المُحِبَّة “خارج حدود نفسها” مع احتماليَّة نكران ذاتها في اندفاعها نَصْبَ منفعة المحبوب. (لا يلزمنا اتّخاذ مفهوم الانتماء بالمعنى الحرفي قطعًا لأن الانتماء إلى المحبوب يحتمل شعور المُحِبَّةِ بأن الاهتمام الوثيق بمصلحتها ومصلحة محبوبها اهتمامٌ واحدٌ يصبُّ في ذات الغاية.

من الطُّرق المتعارف عليها أيضًا في التمييز بين الحب وبقية السلوكيات الشخصية هي أن يُنظَرَ فيه من زاويةٍ تقييميَّةٍ نوعيَّة وهي في حد ذاتها متضمنة لعمق الحب مجددًا يوجد خلاف محتدم عمَّا إذا كان الحب يستلزم أساسًا تقييمًا نوعيًّا وإن استلزمه فكيف نستوعب مثل هذا التقييم أسئلةٌ أخرى ترتبط ارتباطًا وثيقًا بأسئلة التقييم النوعي هي أسئلة التبرير: هل يمكننا تبرير الحب أو حب شخصٍ ما بعينه؟ إن كان كذلك فكيف؟

لقد رأى من يقول بإمكانية تبرير الحب التبريرَ من خلال عدسة التقييم والأجوبة وهي مؤثّرةٌ على محاولات الأطراف المختلفة لفهم نوع الثبات أو الالتزام الذي يلازم الحب وكذا على معنى انتقاء الأعيان وتخصيصهم بالحب دون غيرهم.

ولقد قسمت نظريات الحب مبدئيًّا (وعلى مضض) إلى أربعة أقسام: الحب بوصفه اتّحادا والحب بوصفه اهتمام وثيقا والحب بوصفه تقييما والحب بوصفه موقفا عاطفيا هذا وينبغي أن يتضح لنا أن بعض النظريات التي تُصَنَّفُ تحت أحد التقسيمات قد تتضمَّن أفكارًا رئيسيَّة نجدها في نظرياتٍ أخرى تحت تقسيمٍ مختلف ولا يلزم من هذا تعارض لأن الأنواع التي قسَّمناها هنا تتداخل إلى حدٍّ ما وفي بعض الحالات التي سنتطرق إليها يكون تقسيم النظريات محصورًا جدًّا.

جزءٌ من المشكلة التصنيفيَّة يكمن في الاختزال الظاهري في بعض المقولات في الحب حيث يُفهَمُ الحب من خلال مفاهيم متعددة مثل المودَّة والتقييم والتعلُّق هكذا دون تقديم حدودٍ شارحةٍ لمعاني تلك المفاهيم الا أنه و على الرغم من تفادي اللهجة الاختزالية الصريحة عند من يفهم الحب بتلك المفاهيم فإن كثيرًا ما يُهمِلُ هؤلاء المحاولات الجديَّة في عرض كيفيَّة ارتباط جانبٍ معيَّن من الحب مع الجوانب الأخرى وكيف يتّصل بعضها ببعضٍ مفاهيميًّا و ينتج عن ذلك التباسٌ في تقسيم النظريات ناهيك عن تعيين التقسيمات الكبرى التي تندرج تلك النظريات تحتها.

والحقيقة إن الهرب من عبودية الحب لا يمكن أن يتحقق سوى بطريقتين خيار الاستغراق في الحب الجسدي من دون أي التزامات أخلاقية أو اجتماعية أم خيار الأفلاطونية والتسامي على طريقة “جان جاك روسو”أو الشعراء العذريين عندنا.

وكلا الطريقتين وجهان لعملة واحدة الأولى هرب من الحب عن طريق الجسد والثانية هروب من الحب عن طريق الروح وكلاهما تحايل كبير على الذات من خلال رفعها الوهمي وهما لا يؤديان غالباً سوى إلى الفناء المعنوي على شكل مرض أو جنون كما حصل غالباً عبر التاريخ عند الشعراء بشكل خاص أو الفناء المادي كما حصل مع “ميشال دي مونتاني “من القدماء و”تشيزاري بافيزي من المحدثين”فهل يجوز القول أن الفصل بين الحب والاعجاب قد حصل للأبد مع كل نتاج فكري في كل الحضارات السابقة ؟

أم هو نتاج لعملية عاطفية مثل قصة الحب التي ربطت بين فيلسوفين هما جان بول سارتر وسيمون دي “بوفوار “وكذلك العلاقة الكبيرة التي ربطت بين الفيلسوف الألماني هايدغر والفيلسوفة حنة أرندت فقد رأى هايدغر أن أرندت كانت تبث ما أطلق عليه الفكر العاطفي في كتاباته أي يتحدث عن لحظة الإلهام التي مثلتها أرندت في حياته وهو الحب الذي مثل لكليهما لحظة جملت حياتهما إذ يرى أن لا شيء يقود إلى قلب العالم أكثر من الحب والأكيد انه جمال وحب يختلف عن مفهوم الاعجاب .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى