الأضَاحِيُ التِي بِلَا دِمَاء … ليتَكَ كُنْتَ مَالِكيًا!

عيدُ اللهِ الأكبر؛ طنّز- لأشكوَنَّ الغربةَ- إنّما يخرجُ علينا هذهِ الأيام دُعاةُ الرحمة وحقوقَ الحيوانِ و(المُراجعون) لدين الله: ” ملأتم الأرضَ دِماءً وأَضَاحيَ بشريّة”،…. هل ثمّة أُضحيّة بلا دَمٍ؟
للناسِ حجٌّ ولي حجٌّ إلى سَكَني تُهدَى الأضَاحي وأهدي مُهجتي ودَمِي
أرضًا تلّوه… شاخصًا ببصره نحوي … صوتُ الدَّمِ في عيني … وضعتْ له أمي شيئاً من الحِنَّاء “اليوم وقفةٌ وبُكْرَةُ عيد” قَشَطْتُ من بدَني (الحِنّا) ومرَّرتُه على ما استطعتُ من شعر جلده الذي تكوّم يوم النَّحر كالمنْشفة .. وعدْتُه أنني سأشتري له مزيداً من (سُكَّر النّبَات ) ،… صباح العيد … “وذبحوك “… كان (حَنْتَشُ) تَيْسًا جبَليًا جميلا … أذناهُ تسبَحان عندما يشرب من الدلو.. كأوراق شجرة (البيْدان) أذناه على بِركة الماء… ذبيحُ الله حَنْتَش… هل ثمّة أضحية بلا دم؟!
زعموا أنّ القَرَابين كانت من البشر قبل سُنّة (إبراهيم ) والمشاهد في التوراة التي تؤمن بها يا رفيق (حُمَادي) أشدّ قساوةً من القرآن الكريم؛ فتشاهد (إسحاق) يحمل الحطَب الى أعلى جبل (المريّة ) حيثُ أمر الله إبراهيم أن يذبح إسحاق ويحرقه دون أن يخبره حقيقةَ نَوَاياه فيسأل إسحاق أباه بكل براءة “هو ذا النّارُ والحَطَبُ، ولكن أين الخَروفُ للمَحرَقَة؟ فيجيبُه أبوه ” اللهُ يَرَى لهُ الخَروفَ للمُحرَقَةِ يا ابني”.
صارَ الدَّمُ في كل مكان يَنضَح حتى المصحف… فتح لي الأستاذ الفقيه (الهندي ) آية الذبح « وفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ »….. كاد إبراهيم عليه السلام يذبح ولده ( فَلَمَّا أَسْلَما وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ونادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) مشهدٌ قاسٍ – لا يُحتمل- يجب ألّا يَطَّلِع عليه الصغار قال الرفيق (حُمادي ) ردّ عليه (عبد المجيب) بل يجب أن يتعلَّم الصغار دينهم، والأجمل أنهم تعمَّدوا أن تراهم يذبحوه …
كَانتِ الأضحيّةُ لبعضِ الشعوب الوثنية الخالية تُقام قبل طلوع الشمس وتُهدى إلى فينوسَ وعِشْتار وبَعْل وتُصوّر تلك الآلهات ضيوفاً خفيّة تُعربِد وتشرب الدَّم واللحم ؛ والأمر كان خدعة من الكاهن إنما له ولضيوفه لكن بعد مجيء الإسلامِ الحنيفِ صارت تُقام بعد شروق الشمس وتحديدًا بعد صلاة العيد وتُهدى لله الواحد الأحد.
وَهَكَذَا وُلِدَتْ كلمة (أٌضحية) وهي من شعائر الله ( وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} وهي مرتبطة بتقوى الله بعيدة عن تلك المعاني المرتبطة بالغفران ومَحْـو الذنوب كما عليه في الدِّيانات القديمة و” فكرة العتق والمنفعة والخلاص من إراقة دم الأضحية غريبة تمامًا عن الإسلام” ، فإن اليمين الزُّور لا يكفَّرُ عنه بالأضحية بل بالصدقات وبالصوم أو بعتق رقبة ، وليست الأضحية هي التي تعتق المسلم التَّقِيَّ من ذنوبه، بل زيارة بيت الله.
في المعتقد اليهودي، كبش الفداء هو ذاك الكبش الذي أخذ على عاتقه ذنوب بني إسرائيل وهام بين الأحراش وعلى رأسه تلك الذنوب، والمسيح هو (كبش الفداء) الذي يرسمُ به المسيحيون صورة رمزيّة صلب المسيح لتحمّله خطايا البشرية.
في جامع (الزيتونة) سمعت خطيب الجمعة يؤكّد أنّ (الكباش) هي الحيوانات المفضَّلة للأضحية ثم (إناثها) وهي أفضل من الثيران والجِمَال، وكان أبي شافعيًّا جَلدًا ضحَّى رحمه الله بـــ(حَنْتَشَ) وهو تَيْسٌ جَبلي أذناه تسبحان في بركة الماء..ولا تملك كلُّ كِباش الأرض مثل أذنيه! …. ليتك يا والدي كنتَ مالكِيّا! … وذبحت كبشا… أو ربما على الأقل لم تتشدَّد في إراقة الدم صباح العيد، و جعلتني أُطعِمُه السُّكّر النَّبَات الذي وعدْتُه يوم العيد.
في القرآن الكريم لا نعثر على لفظة (أُضحية) ولكن (هَدْي) ولا يستخدم (ضَحّى) بمعنى (نَحَر) إنّما اشتقاقات الجذر تعني (وضَح النهار) ونلاحظ أن الجذر (وضَح) هو قلْبٌ لــ(ضَحَوَ) وهذا برهانٌ على دلالة اللفظ، أما المفسِّرون فيقولون إنما سُمِّيت بــ(الضَحيَّة) لأنها تُنحَر في الصباح، في الميقات المُسمّى ضُحى … وهذا الكلام يثير إشكالية معجمية: متى وتحت أي ظرفٍ اُتخِذ الجذر (ضَحَوَ) معنى ضحّى؟ ويبدو أن كلمة الهَدْي مخصَّصة لأضاحي الحُجَّاج في مكة.
في بعض لهجات اليمن تُضَحِّي النساء بالثياب :” ضَحّيْتُ الثياب”…. .. أَضاحٍ بلا دماء ! … وبكلّ تأكيد ثمّة ضحايا وأُضحية، لا أٌضحيات.
ضَحُّوا ضحاياهم وسالتْ دِماؤها وأنا المُتيَّمُ قَدْ نحرتُ فُؤادي
أنا مسلمٌ معظِّمٌ لشعائر الله …لكن كيف أمحو صوت الدَّمِ من رأس ذلك الطفل الذي كُنْتُه منذ أربعين عاما وهي تَئِنُّ في رأسي .
وكلُّ عام وأنتم بألف خير