موسم الحصاد


زينب على درويش
في إحدى القرى البعيدة، حيث الأرض تلامس السماء بزرقتها الصافية، عاش رجل يدعى صالح، اشتهر بين الناس بصدقه ووفائه بوعوده. ذات يوم، طرق بابه جاره القديم، رشيد، الذي عاد إلى القرية بعد سنوات من الغياب.
قال رشيد:
– “يا صالح، جئت أطلب منك معروفا. أنا في حاجة إلى المال لأبدأ عملا صغيرا. أقسم لك بشرفي أن أعيد لك الدين قبل موسم الحصاد”.
نظر صالح إلى وجه رشيد، فرأى فيه ظل الصداقة القديمة، ولم يتردد. أعطاه المال وهو يقول:
– “ثق بي كما أثق بك، يا رشيد”.
مرت الشهور، وجاء موسم الحصاد. لكن رشيد لم يظهر. حاول صالح أن يبحث عنه، فقيل له إن رشيد قد استثمر المال وخسر كل شيء، وأنه الآن يعيش في المدينة.
وفي ليلة هادئة، جلس صالح أمام بيته، يتأمل القمر. فجأة، ظهر أمامه رجل غريب الملامح، بثوب أبيض، ونور يشع من وجهه. قال له الرجل:
– “يا صالح، لماذا تبدو مهموما؟”
أجابه صالح:
– “لقد خُنتُ نفسي، يا سيدي. وثقت برجل أعطاني وعدا، لكنه خان عهده”.
ابتسم الرجل الغريب وقال:
– “لكن ألم تعطه المال لثقتك في قلبه، لا في وعوده؟ ألا يكفيك أنك أثبت لنفسك أنك أهل للوفاء؟”
اختفى الرجل، وبقي صالح وحده. لكنه شعر بشيء يتغير في داخله. فهم أن العهد ليس فقط ما يقطع بالكلام، بل هو ما يسكن القلب. وربما خيانة رشيد لم تكن إلا اختبارا لصدق صالح مع نفسه.
وفي يوم من الأيام، وبينما الشمس تشرق، عاد رشيد إلى القرية، يحمل كيسا صغير ا مليئا بالمال
قال لرشيد :
– “لقد أخطأت وخنت عهدي، لكن ضميري لم يتركني أهنأ. هذا مالك، يا صالح”.
ابتسم صالح وأعاد المال قائلا:
– احتفظ به. لقد أعطيتك إياه عن طيب خاطر. لكن، هذه المرة، تعلم كيف تحفظ عهدك