حِكَايةُ قَطْرة


العنود ناصر السرحان
حِينما قَرَّرتْ قَطْرةُ الماءِ مُفارقةَ الغيمة …لمْ تكنْ توَّاقةً للرحيل…بل رُبما شَعرتْ بالغربةِ في هذا الوطنِ
الذي لم تعرفْ سِواه ؛ لذلكَ آثرتِ السقوط بعد أنْ صعقَ
وميضُ البرقِ و شطرَ قلبَ غيمتَها ،ورجفَ بدويِّ رعدٍ مخيف وكأنهُ يودعُها …..هذا السقوطُ أخذَ منْ ذراتِها الكثير وملأهَا بالخوفِ والحيرة ،فهي لا تعلمُ مصيرها ، ولا إلى أينَ ستأخُذها الأقدار …تاهتْ في ضَبابيَّةِ المشاعر ، وقصُرتْ رُؤيتُها عنْ التَطلُّعِ بتفاؤلٍ للقادم ….هي لا تعلم أنَّ هناكَ عالماً آخر في استقبالِها، يترقبُ غيمَها ، ويُناشِدُ سماءَها بالهطول.
مآتِمُ جفافٍ أُقيمتْ على أرضٍ عطشى ،وأغصانٌ متيبسةٌ شَرَّعتْ أذرِعتها لاحتضانِها بلهفةٍ و شوق في عالمٍ ستكون قلبهُ النابضُ بالحياة …هذا هو حالُنا عندما تضيقُ بنا الأماكن ، ولا نجدُ متسعاً فيها ،لنفارِقها مُجْبرين …نرحلُ بعد أنْ اسْتنزفنا كلَّ أسبابِ البقاء نرضى حيناً ، وحيناً يَتملكُنا الحزنُ والحنين .
منْ تَعلقِنا لا نَفهم أنَّ أدوارنا انتهتْ ، ومنْ فرطِ شعورِنا تغيبُ عنَّا حقيقةُ الإتساع ، وأنَّ الكونَ مليءٌ بالاحتمالاتِ الجميلة .
وننسى أنَّنا تماماً كتلكَ القطرة ، في داخلنا روحُ الحياةِ التي نعيشُ بها …. نعانقُ النور ،ونعكسُ منها ألوانَ الحبِ
والبهجةِ على كلِّ شيءٍ حَولنا ، ونغفل أنَّ لنا بعدَ الفراقِ عناق ،
وأنَّنا سنغدُو لبقاعٍ أُخرى حياة ، ولأرواحٍ جميلةٍ وطن .