طيب وأمير كوميديا ناعمة لمست قلوب الجمهور.. وعادت بنا الى زمن الفن الجميل


ريهام طارق
ضمن فعاليات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته السادسة عشرة برئاسة الفنان محمد رياض وبحضور لجنة مشاهدة العروض المسرحية، فتحت ستار المسرح الكوميدي بقيادة الفنان ياسر الطوبجى، الذي نجح في صناعة صحوة للمسرح الكوميدي من جديد، من خلال تغيير نمط أدوات الإدارة ، ليصبح مواكبا لآليات الإنتاج المسرحية، و جعله قادرا علي أن يصبح منافس قوي للقطاع الخاص، بالتعاون مع أهم عناصر نجاح العمل المسرحي وهي الإخراج والتأليف، حيث يجذب النص الجيد وإسم المخرج كبار النجوم للمشاركة في العمل، وعندما تتحد كل هذه العناصر يستطيع العمل استقطاب شريحة عريضة من الجمهور لمشاهدة العرض.
اجتمع مثلث النجاح والذي يتمثل في المخرج محمد جبر و المؤلف أحمد الملواني والفنان ياسر الطوبجي وبعد عدة جلسات عمل جمعت بينهم قرروا اختيار أحد روائع بديع خيري والفنان القدير نجيب الريحاني “سلامة فى خير”، الذى تم عرضه عام 1937 من إخراج نيازى مصطفى و الذى شارك أيضاً فى كتابة السيناريو والحوار، ليقوم بمعالجتها المؤلف أحمد الملواني ويقوم بإعداد الدراماتورج للروايه ويخرجها المخرج محمد جبر، و يقدموا كوميديا راقية لمست قلوب الجمهور من خلال العرض المسرحي”طيب وأمير” ليكمل جبر و الملواني خطوات الريحانى وبديع خيرى فى طريقة بنائهما للكوميديا الناعمة، برؤية مختلفة، معاصرة تتناسب مع الفترة الحالية، من خلال تناول فكرة الرجل الطيب وكيف ينظر له المجتمع، الذي يترجم صفة “الطيبة” علي أنها إهانة وتقليل من شأن صاحبها، ويراها أيضا سبب في سوء الحظ والفشل في الحياة ووسيلة للاستغلال من الآخرين، وهذا ما نفاه بطل العرض في النهاية ليؤكد أن الطيبة هي صفة حميدة وأنها كانت سببًا في نجاته من أزمات كبيرة وكوارث وقع فيها ، وأن الطيب مكافأته مضمونه وحتمية في النهاية من الله عز وجل على صبره وحسن نيته تجاه الآخرين.
استطاع المخرج محمد جبر، في مسرحية “طيب وأمير”، فى توظيف كل عناصر المنظر المسرحى لتكون مادة للضحك، وتقديم وجبة دسمة من الكوميديا متقنة الصنع.. بتخطيط مدروس ومسبق مع المؤلف استمرت ما يقرب من ثلاث ساعات، أكدت انحياز الجمهور إلى صيغة الفودفيل التي تقوم على كوميديا الموقف والحبكة البسيطة السهلة و ايضا تحتوي علي عنصر المفاجأة، وشكل تصميم الملابس، وعوامل التشويق والإثارة من خلال تعرض أبطال العرض لمواقف كوميدية، وتقديم مجموعة رائعة من اللوحات الغنائية والاستعراضية المتقنة الصنع حيث لا تستطيع أن تشعر بالملل للحظة ، أو تري مماطلة في الأحداث وذلك لحرص المخرج في العرض على توزيع إيقاع الضحك بشكل متناغم بين جميع الشخصيات وإعطاء كل منها مساحتها الكافية.
ومعروف أن اقوي مدارس الكوميديا هي مدرسه المفاجئه والغير متوقع وهذا ما استغله المخرج محمد جبر باستخدام إلقاء الافيه الغير متوقع بشكل جاد وطبيعي مثل “دا عندكم انتم” الذي اخذ مساحه كبيره طوال فتره العرض وصنع رد فعل إيجابي وقوي لدي الجمهور وفجر موجه عاليه من الضحك في كل مره يقال فيها.
ومع بدايه العرض قدم كل ممثل دوره حسب الموقف والإطار الذي رسم له، بحرفية شديدة، والنتيجة أننا شاهدنا صورة بصرية رائعه اكتملت مع الإبداع في الاضاءه وتصميم الديكور، الذي تحرك بانسيابيه شديدة وبإيقاع رشيق بتغيير مناظرة وانتقال أبطال العرض بين الأماكن الشركة، الشارع، قسم الشرطة، البنك، المنزل ثم الفندق بسلاسه شديده ، ونجحت مصممه الملابس اميره صابر في تكوين جانبا آخر من الضحك من خلال تنميط الشخصيات وظهورها بملابس مثيرة للسخرية، كانت ماده جيده لبناء الكثير من الافيهات المضحكه ، حيث يرتدي الأمير وحاشيته ملابس قصيرة، مما أثار هذا الزي الشعور بالخجل لدى سعيد الأمير المزيف، الذي جسده النجم هشام اسماعيل ، وجعله يشعر بالحرج من ارتداء هذه الملابس القصيرة التي لا يليق به الخروج على الناس بها، وعند ظهور هذه الملابس على المسرح، امتلأت أركان المسرح بأصوات ضحكات الجمهور ، الذي لم يستطع التوقف عن الضحك للحظة واحدة، وجاء ذلك في فصلين من خلال مجموعة من المشاهد الكوميديه مع الحفاظ على الحبكة الرئيسية للروايه إذ تم استبدال محل الأقمشة بشركة “سيراميك على بلاطة”، وشخصيه الفراش بموظف حسابات،وهو شخصيه سعيد بطل العمل أقدم موظف فى الشركة والأقرب إلى قلب صاحبها وهو شخص طيب ومغلوب على أمره، ولا يجد السعادة فقط في وجود المال ، ويواجه شخصية مدكور الذي يحمل صفات الشر ويحقد علي حب عمه صاحب الشركة وثقته في شخصيه سعيد.
أبطال العمل:
جسد النجم الكبير هشام اسماعيل شخصية سعيد بأداء مميز، هادئ واحترافية شديدة، دون أي انفعالية غير مبررة أو إلقاء افيهات غير لائقة ، هشام إسماعيل يقدم لنا دائما مدرسة الكوميديا السهل الممتنع، وينجح في أن يضحك الجمهور بأقل مجهود، يتحكم في ملامح وجهه بطريقه ملفته، و يجعلها قادرة علي توصيل احساسه للمشاهد بأداء راقي ، هشام اسماعيل يحتفظ دائما بهيبتة حتى ولو كان يؤدي شخصية كوميدية لا تستطيع أن تفعل شيئا سوي أن تشعر باحترام وتقدير هذا الفنان الراقي.
وبعد غياب طويل عن المسرح عاد من جديد النجم عمرو رمزي و جسد شخصية “الأمير الغندور”، وبخفة ظله المعهودة وجدناه يتحرك على المسرح بكل ثقة وثبات، ورشاقة.. ليثبت يوما بعد يوم انه نجم كبير لم تستغل من موهبته إلا القليل حتى الآن ، ومازال يمتلك الكثير ليقدمه سواء على المسرح أو في السينما أو التلفزيون، لديه وعي كافي وقدر كبير من الذكاء والخبرة والثقافة الفنية تجعله من نجوم الصف الأول ، وعمله بالاخراج أيضا كان سبب مهم في خبرته و أدائه المتقن ومازلنا ننتظر منه المزيد.
وكانت مفاجأة العرض إعادة اكتشاف للنجم تامر فرج الذي جسد شخصية “الدغدغان”، مساعد الأمير “الغندور”، وبالرغم من ان دوره كوميدي إلا أنه لعبه بمنتهى الجدية، حتى وصل إلى حد التوحد مع الشخصية، ليقدم أداء صادق ومتقن وبارع تحت مظلة كبيرة من خفة الظل ورشاقة الحركة وسرعة البديهة على المسرح جعلت المشاهد يصدق انه شخصيه “الدوغدغان”، وولدت على خشبة المسرح حالة من التناغم والانسيابية والتوافق بينه وبين عمرو رمزي و قدما ثنائيا رائعا لم يفشل نهائيا في إضحاك الجمهور في أي مشهد قدموه معا.
جسد النجم أحمد السلكاوى دور الأب الشرير بحرفية شديدة وخفة ظل و أحمد السلكاوي يعتبر من نجوم المسرح المصري ولديه خبرة كبيرة من خلال العديد من الأعمال الناجحة التي قدمها علي خشبه المسرح، ويستطيع بجداره أن يؤدي شخصيات وأنماط مختلفة، و قادر على جذب أنظار الجمهور له لحضوره الطاغي ونبرة صوته المميزة ، وطلته المحبوبه، التي خطفت القلوب منذ ظهوره للوهلة الأولى ، و كون مع الفنانه شيماء عبد القادر ثنائي كوميدي آخر ناجح في العرض حيث لعبت شيماء دور ابنته الفتاة البلهاء بمهارة كبيرة وأداء بارع بعد غياب طويل عن الساحه الفنيه يليق بعودتها من جديد للمسرح ، وظهرت وكأنها أحد الشخصيات الخيالية ونالت إعجاب وحب الجميع على حد سواء من الكبار أوالأطفال .
و يعتبر عرض “طيب وأمير”، مكتشف كوميديان جديد مميز له حضور قوي لفت الأنظار له ونال حب الحضور، له طابع خاص به، لا يشبه أحد من أبناء جيله، وهو الفنان شريف حسنى الذي لعب شخصية رجل الشارع المتطفل الساذج ، ونجح في أداء الشخصيه بحرفية كبيرة وأشعل إيقاع العرض في كل مرة من ظهوره على خشبة المسرح بسبب خفة ظله و قوة موهبته وهذا ظهر بوضوح في تحية واحتفاء الجمهور به في نهاية العرض.
قدمت الفنانه نهى لطفى شخصية الموظفة بالفندق وكان لها حضورا خاصا ولافتا، وتركت بصمة قوية في العرض بطلتها الرقيقة والبسيطة وأدائها المفعم بالأنوثة مع خفة ظلها ورشاقتها على المسرح.
جسدت الفنانة وفاء عبد الله دور الأم بخفة ظل وأداء رائع، وظهرت معها خفيفه الظل والروح الفنانة رشا فؤاد وجسدت دور الزوجة ورشا فؤاد ممثلة ماهرة أدت دورها بنجاح وكانت مؤثرة بالرغم من صغر مساحة دورها، إلا أنها نجحت في أن تترك بصمة واضحة في العمل، وأضاف هذا الثنائي الطابع العصري على العرض من خلال مفردات حديثة وعصرية، من خلال مناقشة قضية السوشيال الميديا واهتمام الزوجة بها
مسرحية “طيب وأمير” ديكور: عمرو عبدالله، أشعار: طارق علي ، موسيقى: كريم عرفة، تصميم الملابس: أميرة صابر
شارك في بطولة العرض كوكبة من نجوم المسرح منهم:” هشام اسماعيل ، عمرو رمزي ، تامر فرج ، احمد السلكاوى ، شريف حسني، نهي لطفي، رشا فؤاد، شيماء عبد القادر، محمود الهنيدي ومحمود فتحي”.
وأخيراً أستطيع أن أقول أن المخرج محمد جبر نجح في أن يمسك إيقاع العرض بقوة من خلال إتقان مفرداته حتى يحقق متعة التشويق للجمهور التي يخلقها هذا النوع من المسرح، من خلال الضحك المتواصل.. الذي حرص عليه العرض من خلال حفاظه على عناصر الفودفيل وسماته، متمثلة فى الطابع الكوميدى للحكاية والموسيقى والغناء والاستعراض والملابس بالإضافة إلى الانحياز إلى الثقافة الشعبية والعامية المصرية.. سواء على مستوى المعالجة أو الرؤية الإخراجية ، ووصولا إلى الموعظة الأخلاقية التي قدمت في نهاية العرض من خلال أغنية كتبها
الشاعر طارق علي وتقول كلماتها:
ما تصدقش الناس لو قالوا الطيب حظه قليل
وان اللى واخدها بدراعاته الحظ بييجى معاه
دا اللى بيعمل خير يبقاله مهما ف حاله يميل
ماهى مش طول الوقت هتفضل ماشية كده معانداه
في النهاية … أحب أشكر فريق عمل مسرحية “طيب وأمير” بصفة خاصة على هذا العرض الاكثر من رائع والذي شرفت بمشاهدته واتمني تصويره و الاحتفاظ به في ذاكرة مكتبه المسرح المصري ليعيش معنا وتشاهده الأجيال القادمة.