الأدب والشعر

هل تعرف من أنت ؟

الكاتبة: ندي فنري

الكاتبة: ندي فنري

تقول فيروز التي تميزت بصوتها العذب

 

أغنيتها الشهيرة “كيفك أنت” ؟

 

و أنا بدوي أسألك هل تعرف من أنت ؟

 

هناك مقولة شهيرة كالتالي: «أنت شخص متعدد ومختلف بالنسبة لكثير من الناس. مزعج لبعضهم، موهوب عند بعض آخر، هادئ لدى آخرين، غير معروف بالنسبة لكثيرين. لكن السؤال المهم:

من أنت بالنسبة إلى نفسك؟!».

 

هل تعرف من أنت؟!

هل تعرف ماذا تريد في حياتك؟!

هل تعرف الدور الذي ترغب في تأديته سواء في محيطك الاجتماعي والعملي؟!

والأهم هل تعرف ما هي مبادئك وثوابتك وقناعاتك؟

 

عند البعض ستكون محبوباً، وقد يعجبون بك لدرجة الجنون، لكن لدى آخرين قد تكون مكروها وعدواً.

حتى لو كنت ناجحاً لا تظن أن الجميع سيفرح لنجاحك، فأعداء النجاح كثيرون، وكارهو الناجحين لا يعدون ولا يحصون، خاصة ممن يعانون من مرض المعادلة السقيمة التي تقول «نجاح غيرك فشل لك .

 

بالتالي الطريقة المثلى هي «تحمل» ردات الفعل، وتقييمها، واختيار ما يمكنك الوقوف عنده والاستفادة منه، وما يمكنك تجاهله أو مسحه أو نسيانه للأبد.

 

كل هذا يتحقق، فقط لو عرفت أولاً من تكون أنت، وماذا تريد أن تفعل، وأين تريد الوصول في حياتك؟!

 

لا تقف الأسئلة هنا، فهذه مقدمتها فقط، فأنت تفتح كل الصناديق التي حولك لتسأل عن أحلك أفكارك، ما الذي حققته؟

وما الذي أصبحت عليه؟

هل استحقه أم كل هذا نتاج أكاذيب نسجتها لأقنع الآخرين بأنني جيد كفاية.

كيف سأكون ؟

وما الذي سأكونه غدًا؟

هل علي تصنع الرضا.

ما الذي أحاول الهرب منه؟

هل يمكنني الاحتفال بهذا الإنجاز؟

هل أنا وحيد وكل من أعرفهم مجرد أرقام امر من خلالها دون مبالاة.

متى سأموت وكيف ستبدو الأماكن والقلوب من بعد رحيلي!!

هل سيفتقدني الناس أم كل تلك مجرد مشاعر عابر ستتلاشى مع احتضار آخر دموع الفقد وآخر تلاويح الوداع.

 

حتى تتحكم في مدى تأثير الناس عليك، أولاً ينبغي أن تتعرف إلى شخصيتك وما يحددها ومن ثم عليك التدرب على طريق «تحمل» ردات فعل الآخرين ورأيهم فيك …

ولا أقول هنا كيفية «التعامل» مع ردات الأفعال هذه، والسبب بسيط جداً، إذ عملية التعامل بهدف الحصول على الرضا المطلق أمر مستحيل، فأنت لن ترضي الجميع، وإن كان هدفك ذلك، فحظاً موفقاً، ستعيش حتى آخر لحظة من حياتك وأنت تطارد وتبحث عن عبارات الإشادة والمديح والإطراء، وهذا ما يجعل كثيراً من المشاهير يصلون لمراحل خطيرة تدخلهم حالات اكتئاب، بل وتجعلهم يعيشون في العالم بخوف من رأي الناس فيهم ونظرتهم لهم.

 

ما أجمل أولئك المنشغلون بالحياة ومتعتها فهم محظوظون جدًا ، لأنهم بعيدون عن البحث في أكبر معضلة بشرية تطاردنا التي هي :

أن نحاول أن نفهم من نحن .

 

هم بكل بساطة منشغلين بالحياة للحد الذي يفقدون اتصالهم الحقيقي بأنفسهم، إلى الحد الذي يعتقدون أنهم يفهمون أنفسهم جيدًا.

ولكن في الجانب الآخر، هم لا يفهمون من سيكونونه غدًا، فهم بذلك يعانون من نصف المشكلة.

 

من الحماقة بمكان الاعتقاد بأنك في يوم ما ستعرف جيدًا من أنت، لأن هذه رحلة أزلية لا نهاية لها .

 

تنظر إلى المرآة ولا تعرف تحديدا من ذلك الوجه الذي يحدق بك، هل هو ذلك المخادع الذي يجيد الحديث …

ذلك الماهر في ارتداء الأقنعة بحسب الزمان والمكان ، أم ذلك النرجسي الذي يرى نفسه الأفضل ، أم ذلك العاشق الغارق في الحب حد الكتمان، أم هو ذلك الضعيف الذي يجعل الآخرين يملون عليه ما يفعله، فهو لا يجيد فعل شيء سوى محاولة إرضاء الآخرين عنه.

 

احتياجك للإيمان بالله سبحانه وتعالى ، للأكل والشرب، والعلاقات. وانشغالاتك بالمشاريع، بالوظيفة أو حتى بالهواية، واخيرًا التأمل في ذاتك للتفكير في إجابات أفضل وفهم لجوانبك التي تتغافل عنها.

وكأننا نقول :

ثلث لاحتياجاتك

وثلث لانشغالاتك

وثلث لنفسك .

 

في النهاية أنت كائن مخلوق ومسخر له ما في الكون يفعل ويعمل وينتج ويرى ثمرة سعيه وجهده وعواقب أمره.

 

أنت روح و جوهر وباطن لجسد بشري مادي.

روح عاقلة حرة مختارة (تفعل ما تشاء وكما تريد وكما تستطيع)

روح لها وعي وإدراك وبصر وسمع وفؤاد وحياة وحركة وقلب وعقل وذاكرة تزن الأمور وتفهمها وتحسب العواقب وتشعر بالأحاسيس ومن ثم يتولد داخلها القرارات وعزائم الأمور لمقاصد ونيات.

 

حين تنظر لنفسك في المرآة الآن فإن ما قد تستطيع فهمه هو ما كنت عليه في الماضي، لكن أكبر مشكلة قد تقع فيها هي أن وجوها أخرى قد تتبدى لك في المرآة، أخوك الذي تظنه أحظى منك، زميلك الذي تعتقد بأنه أفضل منك، صديقك الذي تراه أسعد منك، وجارك الذي تتخيل أنه اشد ثراء منك.

 

تأملك في هذه الوجوه طويلًا سيكون أكبر خنجر تغرزه في عزيمتك، وسببا في بعثرة قطع الأحجية الناقصة أصلًا والتي تفسر جزءًا منك؛ لذلك من الأفضل أن تمسح المرآة جيدًا ولا تترك سوى انعكاسين لك :

– انعكاسك الذي تعتقد أنه أنت الآن …

– والآخر ما كنت عليه في الماضي….

 

الحياةُ وحدها كفيلة بأن تُرينا أنفسنا وحقيقتنا .

 

الكاتبة: ندى فنري

أديبة / صحفية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى