أنواع النُّقَّاد


شاهر عبدالواسع الأثوري
إنِّي رأيتُ الناقدينَ ثَلاثةً
ولكلِّ شخصٍ أن يَبوحَ بما يَرى
فهناك أولهم نُلاقي نَقدَهُ
مِن عينِ أهواءِ الغرائزِ قد جَرى
فتراهُ إن كتبت (عُبيلةُ)أسطراً
وافى يُجلجل بالبيانِ مُفسِّرا
تلقاهُ أسرف في مديح قصيدها
وتَراهُ أطنبَ في الثناءِ وأكثرا
يَأتي بِمختلفِ المدائحِ قائلاً:
جاءت بتصويرٍ لعقلي أبهرا
ويقولُ: تلكَ بَلاغةٌ ما مثلها
ولقد غدوتُ بِما قَرأتُ مُحَيَّرا
هذا هو الشِّعرُ الذي ما مثلهُ
لم ألقَ مثلكِ (يا عُبيلةُ) شاعرا
ويَظلُّ يمدح شارحاً ومُبيِّناً
ولربّما نَصّ القصيدة ما قرا
وإذا قرأتَ لشِّعرها وخَبرتهُ
تلقاهُ شِعراً في المعائبِ أعورا
أمَّا إذا كتبَ (المُهلهل) شِعرَهُ
تَلقاهُ أهملَ للقصيدةِ وازدرى
أو قد تَعامى عن بريق حروفها
وكأنَّ ما نَثرَ (المُهلهلُ) جوهرا
إن كُنتَ صاحبهُ تَراهُ مُسارعاً
بالمدحِ قد كتبَ الحُروفَ وسَطَّرا
أمَّا إذا ما كُنتَ لم تَعرف لهُ
ورأى جَمالاً في حُروفكَ أنكرا
فلَذا سخيفٌ لا يُهمّكَ أمرهُ
والمَرءُ أهون ما يكون إذا افترى
كم مِن نُويقد مُحبط في نَقدهِ
ولكم تراهُ مِن المواهبِ دمَّرا
وهُناكَ ثانٍ ذاك يَهدمُ ما لقى
لا شيءَ يُعجبهُ على وجهِ الثرى
إمَّا رأى نَصَّاً جَزيلاً وارفاً
أذراهُ في عَصفِ الرياحِ ونَاثرا
هو لا يَرى إلَّا الظلامَ ولونهُ
لا ينظر البدرَ المُنير إذا سَرى
وكمثل هذا الغِرّ لا تحفل بهِ
فإن انتقدك فكن كأنَّكَ لا تَرى
وهُناكَ ثالثهم فلم يَنظر سوى
للنص ليس لِمَن بناهُ وعَبَّرا
فاسمع لهُ هذا استفد مِن نَقدِهِ
والنوع هذا نادرٌ بين الورى
ما همّّه من قال شعراً مطلقاً
لكنَّهُ في النَّصِ غاصَ وأبحرا
لا فرقَ بين الناسِ في مِيزانهِ
الفرق في نوع النُّصوصِ كما يَرى
هذا الذي أحرى يَكون مُكرَّماً
ويظل أستاذ الجميع بلا مِرَا
هو قدوةٌ في طبعهِ وبنقدهِ
وأحقُّ دوماً أن يُجَلَّ ويُشكرا