أمي وريثةٌ جدتي


مريم عبدالرحمن الهوتي
عندما كنتُ صغيرة كانت أمي تقوم بقص الغُرة عن وجهي في العام مرتين .
كي لا يغطي الشعر عيني وتتعثر قدماي في طريق الحياة فأسقط وأنا أركض للعب ، وحتى لا يُنثر ذرات التراب على وجهي فتختفي ملامحي البريئة .
ففي كل مرة كانت ترسمها بيدها وهي تمسح الماء على وجهي ، الذرات التي تكّون منها جسدي كانت في الأصل طيناً لازباً صلباً ورأسي كان فارغ الفكر ِ ، وقلبي أبيضاً لم تلوّنه الفصول بعد .
حتى أن لبسته ُ روحي لآنٓ واستوى .
وعندما كبرتُ قليلاً كانت تنهرني وتمنعني من الركض وتطلب مني أن أمشي ببطء ،
وهذه كانت علامة البلوغ في بيت أمي ، الوريثة الوحيدة لقيم ومبادئ جدتي ، كانت تصب زيت الجوز على رأسي في الشهر خمسة عشرة مرة كي يطول شعري فتعكفه ليثقل رأسي ويستوي فتتهذب خطواتي ولا أركض حتى لا يسقط مذهبي .
سننٌ كثيرة كانت تصبها في فكري وهي تتمتم بجوار أذنى حتى تخجل عيني من همساتها وأُنزلُ رأسي وهذه كانت علامة حيائي .
وهي تعكف الأظافر ، وتضع الخصلة فوق الخُصلة كانت تنصحني ، هذا يجوز وهذا لا يجوز هذا حرام وذلك عيب .. آهٍ كم هذبتني كلمة عيب (خزي) .
في الحقيقة كان كل شي ءٍ عيباً في بيت أمي وريثة جدتي .
وكانت العقيدة سراجاً تشعله أمام ناظري كل ليلة .