طائر النورس


د/آمال بوحرب تونس
عند غروب الشمس، جلس على كرسيه بجانب البحر للأسترخاء. الموسيقى الهادئة، التي تبث من بعيد، تداعب خياله وصوت بداخله يقول : «لو كنت أعرف النهاية ما بدأت»
كان النسيم اللطيف يداعب جفون المدرس خالد وذكّره بالأزمنة الجميلة التي مضت عندما رأى في طفولته، إن قرص الشمس أختبأ تحت الأمواج، وهكذا ولد الليل.
كان في قمة السعادة عندما أغمض عينيه وأحس بتأثير النسائم اللطيفة التي مسحت الحزن من حياته. ملأ الرئتين بما فيه الكفاية من هواء البحر النقي، وأخرجه بقوة وكأنه يريد أن يطرد الهموم التي سكنت هناك.
نظر إلى الأفق فرأى طيور النورس تحوم في السماء. طار أحدهم وأستدار بشكل دائري، ثم نزل فجأة مثل السهم ليلتقط سمكة، فوضعها بين فكي منقاره، وطار مرة أخرى
أغمض الرجل العجوز عينيه وكأنه يريد أن يشارك هذا
الطائر تجربة البحث عن الحياة
المشهد الذي اعتاد عليه فقد كان يتردد على نفس المكان ليشاهد طيور النورس وهي تبحث عن الطعام.
عندما فتح عينيه، كان هناك واحد فقط لا يزال يبحث عن الطعام.
كان الرجل العجوز في سعادة كاملة وهو يراقب الطائر ،لفت نظره ان الطائر كثير الصياح وأنه لا يستطيع اكمال دورة كاملة في الهواء قبل أن ينقض على الأسماك
ترك الجريدة جانبا وبقي يراقب الطائر الذي ناور كثيرا
قبل الانقضاض الأخير الذي فشل في مسعاه ،اشتدت سرع الهواء فأعتقد الكهل أن الطائر سيكف عن محاولاته
ولكن الطائر سرعان ما أندفع نحو سطح الماء ليخرج مرة أخرى دون أن يحضى بمبتغاه تذكر الرجل في هذه اللحظة “قصة الشيخ والبحر “تذكر قصة من يصارع البحر لمدة أربعين يوما دون أن يصطاد سمكة تذكر روح الثبات والعزيمة قارنها بهذا الطائر الذي أحيا أفكاره فهمس بينه وبين نفسه “ما حدث أمامي سيبقى محفوظًا ولن يزول”ربما في هذه الحقيقة الواعية عزاء كبير لهذا الكهل الحائر -فنحن على الأقل يمكننا أن نؤكد وجودنا الحالي وأن نستفيد من الخيارات المتبقية لدينا ونستشعر تأثيرها اللحظي ونتخيل ما يمكن أن يتراكم عليها كلما اتسع الزمن -تمنى الكهل أن يقدم للطائر احدى الأسماك الملقاة على رمال الشاطئ ولكنه تذكر أن طيور النورس لا تأكل الاسماك الميتة ساءل نفسه ترى هل أحيل الطائر إلى المعاش كما سيحال نفسه بعد أيام قليلةطرد الفكرة من نفسه فالطيور لا تحال على المعاش ،بينما كان الكهل غارقا في تساؤلاته كان الطائر يصارع الرياح ويعيد المحاولة رغم أن جناحية لم يعودا قادرين على مراجعة الهواء الذي زادت قوته غير الطائر من أسلوبه فأخذ يرتفع بقدر ما يستطيع ثم يلقي بجسده كيفما اتفق على سطح الماء لم يعد يخترقه كسهم مهذب وانما كحجر غير مهذب
طال بقاء الطائر هذه المرة تحت الماء اعتقد الرجل أنه خرج منه بالسرعة ذاتها التي اندفع بها بعد أن امسك احدى الاسماك ،بحث عنه لكن الأفق كان خاليا طارت الصحيفة التي كان يقرؤها فشتت رؤيته ولكنه عاد لناظريه ليتأمل سطح الماء مرة قام من مكانه لم يعد يشعر بجاذبية المكان لم يشعر بالبرد
شعر بدمعة مسحها ليرى الامواج تتلاعب بجثة طائر من فصيلة النورس تأملها توقفت الكلمات والافكار وبقي النبض في قلبه يشعره بالدقات المتسارعة .
حمل نفسه وعاد الى بيته المهجور الذي يزوره من وقت إلى آخر بيت لا يوجد به الا ما يحتاجه ليبتعد عن عالم الضوضاء على ،عالم لم يعد ينتمي إليه ،عاد ليبحث عن رواية الشيخ والبحر” ليكملها عله يحد بها مبتغاه