تستور و أغرب ساعة في العالم

المدينة الأندلسية؛ مدينة تستور تتميز ببناء بسيط وخلاب، لكنه مشبع بالرموز والتقنية المختلفة، وبعمارة فريدة من نوعها جمعت بين حضارات عدة، وبتيجان أثرية رومانية وأعمدة من الطراز الحسيني، وزخارف أندلسية ظلت شاهدة على تاريخ الموريسكيين بُناة هذه المدينة. ولعل من أهم المعالم في تستور الجامع الكبير. وهو جامع يقع في مدينة تستور التابعة لولاية باجة والتي تبعد 76 كيلومتر عن العاصمة.
يقع الجامع وسط المدينة العتيقة وهو يجسد فن العمارة الأندلسية وخاصة الصومعة التي يظهر في أعلاها نقوش وهندسة معمارية أندلسية، إضافة إلى الساعة الميكانيكيّة التي توجد في أعلى الصومعة والتي كانت قديما تعدّل عن طريق ساعة شمسية موجودة في صحن الجامع
ويقترب مظهر الصومعة من أبراج الأجراس الأراغونية الموجودة في جنوب إسبانيا. ويتسع المصلى في الجامع الكبير بتستور حوالي 1000 مُصلي بالإضافة إلى الصحن الموجود في وسطه.
وبالعودة إلى الساعة الفريدة من نوعها وتعتبر هي الأولى في العالم التي تدور عقاربها عكس الساعات العادية، أي أنها تدور من اليمين إلى اليسار.
هذه الساعة العجيبة التي تعمل عكس اتّجاه كلّ السّاعات،
تعيد رسم الزمن بطريقة معكوسة بدورانها من اليمين إلى اليسار، بعكس الساعات العادية التي تدور من اليسار إلى اليمين، هذه الساعة توقفت عقاربها لقرون عدة وعادت للدوران بعد جهود كبيرة في نوفمبر سنة 2014م، على يد أستاذ الفيزياء بكلية العلوم في تونس، “عبد الحميد الكوندي”، وهو ابن تلك المدينة كما يقول لقبه «آل كوندي»، وهو لقب لنبلاء إسبان من القرون الوسطى، اكتشف وقتها أن آثار الساعة الأندلسية المعكوسة بدأت تتوارى، بعدما توقفت تلك الساعة عن العمل لمدة تتجاوز ثلاثة قرون، ما جعله يقرر البحث بعمق في مسألة الساعة وإمكانية إعادتها إلى الدوران.
حاول الأستاذ الكوندي ولمدة عام كامل تقصي تاريخ الساعة، قبل أن يتم له بالسماح العام 2014م بالدخول إلى غرفة التحكم في الساعة بأعلى صومعة الجامع ليجد أن آليتها ما تزال محافظة على مكونات الدوران وفق القواعد الفيزيائية التي وضعت بها منذ العام 1630 م، كما اطلع على الحالة الميكانيكية للساعة الضخمة المعكوسة، وعندها بدأ في عملية الإصلاح وإعادة ترتيب مكوناتها كما كانت.
قبل إعلان نجاحه في إعادة الدوران الطبيعي بعد تدخّل سفارتي إسبانيا وألمانيا وجمعيّة صيانة مدينة تستور والسلطات المركزية التونسية التي أوصت وزارتي الثقافة والسياحة بالاهتمام بهذه الساعة الرمز. وفي هذا السياق قال الكوندي، في كتابه «ساعة تستور الأندلسية.. تدور»: «إن سر ساعة تستور ما يزال قابعا في التاريخ المجهول، ولا أحد يعرف لماذا بنى أندلسيو تونس ساعة بمثل هذه المميزات»، لكنه مقابل ذلك قدم في كتابه ثمانية تفسيرات لبناء الأندلسيين لتلك الساعة، من بينها حنين العودة إلى ماضيهم في الأندلس.
وقد بناها المهندس “محمد تغارينو” سنة 1630م، وهو أندلسي الأصل أخذ تستور التونسية موطنا جديداً له بعد خروجه قسرا من موطنه الأصلي وذلك بأمر من
فيليب الثالث ملك إسبانيا في بداية القرن 17، بعد إعادة سيطرة الإسبان على السلطة، بتهجير كل الموريسكيين الذين رفضوا اعتناق المسيحية ومنهم المهندس تاغرينو، فسكنوا شمال أفريقيا وعاش كثير منهم في مدينة تستور شمال غربي تونس، لكنهم ظلوا يحتفظون بمفاتيح منازلهم في الأندلس على أمل العودة، وبلغ عدد الوافدين منهم إلى تونس أكثر من 80 ألف مهاجر جاءوا من “قشتالة”، و”أرقون”، و”قاتالونيا”، المدن الأندلسية الشهيرة.
وقد فسر المؤرخون دوران الساعة العكسي بأن المهندس الذي بناها أراد أن يعطيها طابعا عربيا من منطلق أنّ الطواف حول الكعبة الشريفة يتم من اليمين إلى اليسار، كما أن الكتابة العربية تتم من اليمين إلى اليسار، فيما يرى آخرون أن عقارب الساعة كانت متجهة إلى الأندلس وفي مسار دوران الدم في جسم الإنسان، تعبيرا على حبه وحنينه إلى بلده الذي هجره قسرا.