مشروعات التنمية بين التحديات السياسية وواجبات التنفيذ

يظل أزدياد السكان والفاقة المتنامية للموارد الإقتصادية وعدم كفاية الطاقة وتدهور الوضع الإقتصادي و السياسي وصعوبات القرار حقائق ماثلة تجعلنا نبدي قلقا كبيرا تجاه مستقبل بلادنا التي تعتبر واحدة من البلدان التي يضربها البؤس بتصاعد مطرد رغم أنها تحتل موقعا متقدما من الأساس تحت خط الفقر حسب التصنيف العالمي
فقد أطلق السودان العديد من المبادرات و المشروعات خلال الفترة الراهنة.. إلا أنها جميعا ظلت تعاني من عدم الإستقرار السياسي الذي يجعل تنفيذها في غاية الصعوبة في ظل غياب الرأى الموحد لجهود الفاعلين وصناع القرار .
فإننا نلاحظ تنامي حدة الفقر و الهجرات المتزايدة نحو المدن الكبيرة وهجرة الريف المتصاعدة يوما بعد يوم دون كوابح أو تدبير.. فقد ضاقت بالمواطنين الدوائر و هجروا مدنهم وقراهم وأرتحل بعضهم للعمل الي خارج البلاد في هجرات لايملكون مقوماتها في ظل التراجع الكبير للأقتصاد العالمي أتساع فجوة الغذاء وتنامي الحروب وظاهرة الفقر وقلة الموارد والتغيرات المناخية في ظل ذلك.
من البديهي أن يجدوا الحياة في مواطن الهجرة الجديدة في غاية الصعوبة والتعقيد.. وحتي نفهم ظاهرة الهجرة المتنامية و الكثيفة هذه ينبغي أن نعلم أنه اذا ما أراد المواطنين تحسين أجورهم ورفع مستوى دخولهم لابد لهم من أمتلاك مقومات ذلك لاسيما الشباب الذي يبحث عن فرص العمل لأجل الحياة الكريمة و الزواج الذي يحتم توفير الدخل المستقر والمسكن بجانب التدريب ورفع الكفاءات لاكتساب الخبرة اللازمة.
إن تدهور الوضع الأقتصادي الذي لاينفصل عن السياسي يأخذ أبعادا متضخمة تحول دون أستقرار الحياة العامة.. يبدو أن المأساة تبلغ ذروتها مع عدم فاعلية القرارات الناجعة التي تمضي نحو التنمية في ظل المحاكمات السياسية وغياب الرؤية الحاكمة لأمر قيام المشروعات الجديدة اذ أن توازن المصالح الضيقة ظل يحول دون المضي في هذه المشروعات لذلك علي الجميع أن يعي هذه المرحلة التي تبدد فيها الجهد وغابت فيها وحدة الرأي والهدف وكثرت فيها الخلافات المقعدة بالتنمية
هذه ثلاث سنوات أو أربع ظلت علي هذا النحو.. أهدر فيها وقت كبير من وقت البلاد دون توافق يمكن من قيام مشروعات جديدة تدفع بعجلة الأقتصاد للأمام والتي طال توقفها.. مايجعل بلادنا في مفترق الطرق بين مشروعات التنمية الواعدة و تحديات السياسة وواجبات التنفيذ.
الناظر للمشهد يجد أنه ورغم إطلاق العديد من المبادرات التنموية قد قوبلت جميعها بالمقاومة والتشكيك أما في جدواها الأقتصادية وأما في من يقفون خلفها.. هذا بجانب ضعف التشريعات والقوانين الملزمة في جانب أستثمار الاراضي المتعلقة بهذه المشروعات
هذا فيما يتضاعف إعداد الخريجين العاطلين عن العمل جرا تأخير التوظيف وذبول الطموح.. حسنا فعلت وزارة المالية وأطلقت ضمن الموازنة الجديدة للبلاد للعام 2023.. عدد من فرص التوظيف حيث أعلن وزير المالية جبريل ابراهيم أن الموازنة الجديدة تحمل بشريات عظيمة على رأسها الإنفاق الكبير على التعليم والصحة والمياه والرعاية الإجتماعية فضلاً عن خلق 50 ألف وظيفة لهذا العام للشباب.
عليه ندعوا الي أهمية التوافق السياسي وإنفاذ القوانين والتشريعات واستقطاب رأس المال الوطني والإقليمي لقيام مشروعات وطنية تعجل بالخروج من هذا المأزق الذي يحول دون المضي في المشروعات التنموية فالبلاد تحتاج الي إعادة ترتيب قطاعات الطاقة والري والزراعة بصورة عاجلة كما تحتاج أيضا الي آليات التنفيذ الفاعلة هذا بجانب الإرادة الوطنية الصادقة التي تتبني مشروعات عملاقة يجمع عليها كافة أهل السودان والأقتصاديين والفاعلين في المشهد السياسي و الأقتصادي.. فإن بلادنا ماتزال تحتاج إلى مشروعات تتوحد عبرها أفئدة الناس ويجعلوها مدخلا للوحدة الوطنية وأمل للخروج من الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي طالت الجميع بلا استثناء.. فقد نجحت جهود السودانيين خلال الحكومات السابقة في جعل مشروع سد مروي ومشروع تعلية سد الرصيرص وسد سيتيت وأعالي عطبرة وحصاد المياه مشروعات وطنية اجمع علي جدوها كافة ابناء الوطن رغم ذلك لم تمضي إرادة الحكومات الجديدة في توظيف هذا الإجماع للإنتقال بهذه المشروعات لمرحلة جديدة فماتزال الأرضي الخصبة حول مشروعات هذه السدود تنتظر الأستثمارات الناجحة كما لايزال مشروع الطاقات البديلة والمتجددة ينتظر المضي الي الأمام فمن المعلوم أن السودان كان قد اتجه إلى ترتيب أمره بالاستفادة من الطاقة الشمسية والطاقة النووية باعتبار ماتوفره من قدرات كبيرة لتحريك عجلة الإنتاج في كافة القطاعات التي يجي على رأسها القطاع الصناعي والزراعي وقد مضت الترتيبات في ذلك أشواطاً بعيدة مع الشريك الصيني والأصدقاء .. لذلك أن الأوان لاستكمال هذا المساعي بما تمثله من انفراج كبير متوقع بل لما تمثله من حل جذري لمشكلة الطاقة في البلاد.
يظل الأمل قائما بضرورة النظر الي هذه المشروعات بأعتبارها مفتاح للتنمية الحقيقية التي يمكن للسودان عبرها أن يودع الفقر للأبد من أجل الخروج من الأزمة الاقتصادية والتنموية بالمقابل هناك سد النهضة الذي يجعل من الأهمية أن يستعجل السودان ترتيب أوراقه الداخلية في قطاع الري والزراعة والإستثمار للاستفادة من إيجابياته الوافرة فهو يمثل متغير مهم في جانب الموارد المائية.. بما يمنحه للسودان من فرصة كبيرة تعزز وضعه الجيوسياسي والإقتصادي من خلال الإستفادة من حصته المائية ورفع كفاءاة السدود السودانية وانتظام جريان المياه طوال العام الذي يمكن من أدخال دورة زراعية ثالثة إضافية الي ما معمول به من دورتان زراعيتان ذلك من خلال تكامل الأدوار مع الأشقاء والأصدقاء من الطاقة الكهربائية والخبرات الزراعية ليكون نعمة للجميع بالتدابير المشتركة..
آخر القول وليس آخرا لابد من استعجال إكمال الحلم في إقامة وطن جامع لأهله زاخر بموارده التنموية منتعش إقتصاديا جاذبا لرأس المال العربي والإقليمي والدولي من خلال توفر مصادرالمياه واستصلاح الأرضي الزراعية الممتدة.. وتوفير فرص العمل وإقامة الصناعات التحويلة لاكساب المنتجات السودانية قيمة مضافة تدعم إقتصاد البلاد وتستعجل وداع الفقر للأبد.
دمتم بخير