الأدب والشعر

وداعاً أيُّها الضَوء

يعقوب السعيدى

يعقوب السعيدى

وداعاً أيُّها الضَوء، يا آخِر صُبحٍ كان يُطِل من سماء أيَّامنا المُتخَمَة من العُتمَة، ويا آخِر سحابَة مُزنٍ مُحمَّلةٍ بالمطَر في زمَن الجَدْب، وداعاً للإبتسامة الَّتي كُنَّا نكسِر بها المَلل، وللأحاديث الَّتي كُنَّا نَلتحِف بها حِين يُداهِمُنا الحُزن، وداعاً يا صاحِب الظِل الخَفِيف، يا أنبَل الأصدِقاء وأكثرُهُم، وداعاً أيُّها العشرينِي الَّذِي عاش وهو يحمِل الزُّجاج في قلبه خشيَة أن يتأذَّى به أحَد العابرين من طُرُقات حياته، هاأنا أوَدِّعك بذات الكَلِمة الَّتي كُنت تُنادِي بها كُل أصدِقائك”صَدِيقي”، وداعاً ياصَديقي الَّذي نصَب لَه المَوت شِراكه مُتصَيِّداً على حِين غَفلة، وبَعيداً عن أعيُن النَّاس اختار القَدَر أن يُطفِئ شمعَة عُمرِه ويَقطِف زَهرَة شبابِه. كَقَذيفَةٍ غادِرَةٍ بعثَرني خبر رحيلِك إلى أشلاء، وصلَبَتني صدمَة موتك على عمود الذّهول وطيور الحُزن تأكُل رأسي، مُنذ ظُهر أمس وأنا أعيش صدمة رحيلك ومازلت حتَّى اللحظة عاجزاً عَن استيعابها.

يا الله.. كَم كان رحيلاً صادِماً وموجعاً، مات صاحِب الظِل الخَفيف، ذو القَلب الكَبير والمُبتَسِم رُغم آلامه وتوَجُّعاتِه، هاهو قلبه المُنهَك والَّذِي حارَب طويلاً في سَبيل البقاء وهو يَعِيش على جُرعاتٍ يوميَّة من الدواء يقرَّر أن يَستَرِيح من هذا العناء ويختار أن يُغادِر زوايا الوجَع بكُل صَمت، هاهو يترجَّل عَن صَهوَة آلامه.

فلتَستَرِح ياصاحبي، أنت اليَوم في ضيافَة الكَريم، تنام بجوار ابنتك الَّتي احتَرَق قلبَك لرَحيلها…

وداعة الله يالطف، وداعة الله ياصاحبي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى