هكذا أرى نفسي


يعقوب السعيدى
لا شيء هُنا سوى فتىً بعثَر نفسه وهو يحاول أن يُلَملِم أحلامه، وأضاع ذاته وهو يبحَث عن ذاتٍ أُخرى. هُنا ثمَّة فتَىً في الخامسة والعشرين من عُمره كان ذات يوم يحمِل أحلاماً في سلَّة عُمره وأضاعها ذات حسرَة. ضيَّع أحلامه مُتساهلاً فضيَّعته متعمِّدَة! على قارِعة هذه الأحرُف ينام هذا الفتى مُشرَّداً من ذاته، مُفتَرِشاً خيباته ومُلتحِفاً أوهامه ليحارِب بها صقِيع الحقيقَة. هذا العشريني والَّذي يبدو كما لو أنَّه أضاع طريقه بمحظ إرادته سيكون عليه أن يعيش ماتبقَّى من حياته تائهاً، وإن حدَث ونجى من تَيْهْ الطَّريق فكيف له أن ينجو من توهان الذَّات!
أنا قروي وفي الوَقت ذاته انتَمي لهَذه المدينَة، لَست إلَّا قرويَّاً جرفَته أمواج الحياة من جبال وصاب إلى هذه المدينة السَّاحليَّة، شكَّلتني الظروف وعلَّمَتني المواقِف. ثمَّة هُنا فتى كان نبيلاً ذات يوم وأظُنَّه لازال كذَلِك، أغلَب رغباته قِيل له أنَّها خاطِئة فدفنها في صدره وتجرَّع مرارة رغبات غيره. هذا القرَوي لا أحلامه تشبهه ولا رغباته، لاشيء يشبهه سوى البؤس النائم بين الضلعين الثالث والرابع يسار صدره، حتَّى كلماته تخرُج من فمه وهي ترتجف من شِدَّة شقائه، وفي أحايين كثيرَة_يبدو لمن لايعرفه أحمقاً وشديد السذاجة، أحمق لدرجة أنَّه يثق بكل من يتعرَّف عليهم من أوَّل لقاء يجمعه بهم، وساذج لدرجَة أنَّه يغفر بسهولة شديدة ويمكن استغلاله بكُل بساطة.