أمير البيان والملك الأفغاني أمان الله .
المملكة العربية السعودية _ أبو عريش.
يذكر الكاتب والشاعر اللبناني ( أمير البيان ) كما يُطلق عليه ، الأمير شكيب أرسلان في كتابه ( زمن العروبة الأبتر ) أسباب سقوط ملك أفغانستان الملك أمان الله ، والتي يرى أن من أهمها :
إدارة القمع والاستبداد التي سلكها في التعامل مع المخالفين له ، وخصوصاً الخطاب الديني في بلده أفغانستان ، وموقف رموزه من عمليات التحديث والتطوير والتجديد ومواكبة العالم المتقدم ومراجعة الموروث ، وأحكامه الدينية حيال كل جديد ومستحدث من هنا أو هناك كما يدعي.
ولمن لا يعرف هذا الملك الأفغاني ( الذي أسقط نفسه وأوقع بلاده بما أوقعها فيه من المصائب ، بتهوره وعدم تبصره في العواقب )
نعرفه كما عرفه المؤلف والكاتب منير البعلبكي ، حيث قال :
( أمان الله خان هو ملك أفغانستان، حرر بلاده من النفوذ البريطاني ، وحقق لها الاستقلال عام ١٩١٩ م وأصبح أمير أفغانستان عام 1919 قبل أن يحولها إلى ملكية عام 1926. وحاول القيام بإصلاحات تربوية وتشريعية واسعة ، وسعى لتحرير المرأة الأفغانية من ربقة العادات والتقاليد فثارت عليه العناصر المحافظة وأكرهته على التخلي عن العرش ، فتنازل عن العرش مرغماً بضغط من بريطانيا ، وعاش في منفاه في سويسرا ، حتى مات ، خلفه على العرش عناية الله خان لمدة ثلاثة أيام فقط….)
فكيف تعامل هذا الملك الأفغاني مع فريقين من العلماء الدنيين ، فريق يضم العلماء الحقيقيين _ الذين مردهم كتاب الله جل وعز والسنة المحمدية الصحيحة على إمامها أفضل الصلاة وأزكى التسليم _ وفريق ( يلعبون بالشرع الشريف ويطبقونه على أهوائهم ، ويفسرون قواعد الدين بغير معناها ، ويجعلون الشرع مصيدةً للمال… )
يجيب شكيب أرسلان على هذا السؤال مشيراً إلى الخطأ الفادح الذي وقع فيه الملك الأفغاني وهو أنه جعل هذين الفريقين من العلماء فريقاً واحداً ، وأن كلاهما على نمطٍ واحدٍ من التفكير والعقلية ، حين حكم عليهم بالعمالة والتآمر ضد الوطن ، ومستقبل أبنائه ، و كما يقول أرسلان :
( زعم أن علماء الأفغان قاطبةً على هذا النمط من الجهل والجمود والمقاومة لكل تجَدّدٍ مشروعٍ كان أو غير مشروع ، وذلك من خلال تلاعبهم بالشرع ومحاولتهم اصطياد الدينا بشبكة الدين…)
ويبرهن أرسلان على أن ما زعمه ملك الأفغان لا يعدو افتراءً وتزييفاً وتعميماً أحمق ، يجعل كل من يختلف معه خائناً … السجن أو القتل مصيره المستحق ، فكان هو أول من سقط في شَرَكه ووقع ملكه في حبائله.
فيقول رحمه الله تعالى :
( مضى على جلوس أمان الله على عرش أفغانستان أكثر من عشر سنوات من خلالها استعمل أمان الله التلفون والراديو والأوتوموبيل وغير ذلك ، وأرسل طلبةً إلى أوروبا ، واستقدم البعثات الأوروبية إلى أفغانستان ، واستخدم مئات من الأوروبيين في تلك المملكة ، حتى أن نظارة المعارف الأفغانية كان يديرها علماء فرنسيون ، كل هذا ولم يحرك أولئك العلماء ساكناً ، ولا قالوا في الملك سوءاً ، فلو كان التلفون والتلغراف اللاسلكي هما سبب قيام العلماء لكان هؤلاء قاموا من قبل كما لا يخفى…)
ويدحض الأمير شكيب أرسلان كل مزاعم الملك الأفغاني في أن علماء بلاده ثاروا عليه بسبب إدخاله لبعض الاختراعات العصرية لبلادهم مبيناً الحقيقة التي أثارت ضده العلماء ، وأثارت الشعب على ملك البلاد ( أمان الله ) ، وهي ما رأوه من ( ثورة أمان الله على الشريعة الإسلامية ، وتمسكه بإلغاء الحجاب ، وتميهده المقدمات للرقص ، وعبثه بكثيرٍ من أحكام الدين ومحاولة تغيير الزي الأفغاني )
ومثل هذه الأمور لم يكن السكوت معها ممكناً ( فنشطوا لمقاومة الملك ، فلما قاوموه قتل بعضهم وحبس بعضاً آخر ، وأراد أن يفعل بهم ما فعله مصطفى كمال في أنقرة ، فهبوا في وجهه مكافحين ، وانتهت هذه المصارعة بأن أمان الله هو المصروع )
ونفهم من هذا أن الاستبداد بالرأي وإقحام الشعوب في أوحال الفساد والانحلال بدعوى التطور والانفتاح قد تأتي بنتائج عكسية لا يحمد عقباها وتجر ويلات عظيمة على البلاد والعباد في آن…
ولعل أجمل ما ذكره الأمير شكيب أرسلان من كلام ملك الأفغان أمان الله هو قوله :
( لم يتحقق الكولونيل لورانس في فتنة الأفغان )
ليأتي بعده بعليقه على كلامه بقوله رحمه الله تعالى :
( سررتُ بذلك لا لأني أبرئ الأجانب من الدس في بلاد الشرقيين ، بل لأني أرى قاعدةً مضرةً عند أبناء الشرق وعند المسلمين منهم خاصةً ، وهي :
أنهم كلما أرادوا الاعتذار عن خبص خابص أو تبرير نزق طائش حولوا المسؤولية على الأجانب وجعلوا البلية كلها على هؤلاء، على حين أن هؤلاء أكثر الأحايين إنما يستغلون حماقاتنا ويستثمرون سوء إدارتنا …
نعم الحماقة وسوء الإدارة هما السبيل المعبد لتدخل الأجانب سواءً الأبعدين أو الأقرببن سياسيين أو جماعات دينية متطرفة ، هذا إذا آمنا معك أيها ( الأمير ) أن تدخل الأجانب عادة يكون بسبب الحماقة وسوء الإدارة وليس بنزق طائش أو بمكرٍ خبيث لا يمسحه ( اعتذار ) واعظ أو تبرير خطيب…!!!؟
ومضة :
تسقط المروءه ، عند قباحة الرد !!!.