نظرية القنفذ


ندى محمد صبر _ المدينه المنوره
نحن نسعى دائمًا لبناء شبكة من العلاقات التي تُشكِّل جزءًا من هويتنا ونموِّنا الشخصي. ولأن الإنسان اجتماعي بطبعه، ويطمح دائمًا للاستقرار في حياته، ويحتاج إلى الأمان والاهتمام والراحة والمودة والسعادة، فإن هذه المشاعر لا تدوم إلا بالوسطية والتعامل باتزان مع الأشخاص الذين نتعايش معهم. فنحن نحتاج إلى بعضنا مع العلم أننا لا نستطيع أن نحيا منعزلين، برغم أننا خُلِقنا مختلفين ومنفردين، ولا يوجد إنسان نسخة طبق الأصل عن الآخر.
لكن الاقتراب الشديد من الناس أحيانًا لا يكون موفقًا بقدر ما هو استنزاف للمشاعر والأحاسيس. وأفضل العلاقات وأكثرها ديمومةً هي تلك المبنية على الاحترام المتبادل دون تجاوز الحدود من كلا الطرفين. نحن نحتاج إلى الاتزان بين الاختلاط والتباعد، وذلك بضبط المسافة الآمنة. فلو أن الشمس اقتربت منا ميلًا واحدًا فقط لأحرقت الأرض، ولو ابتعدت عنا ميلًا لتجمد كل ما حولنا!
إن إدارة المسافات فنٌّ يجب علينا تفهمه وإتقانه؛ فلا نكن بعيدين حد العزلة والقطع، ولا قريبين حد الاندماج والتمادي.
كما تعلمنا من نظرية القنفذ، التي تُختصر رسالتها في الحفاظ على مسافة الأمان بينك وبين الآخرين، وهي نظرية فلسفية ذكرها الفيلسوف الألماني **شوبنهاور** في قصة تُعبِّر عن مجموعة من القنافذ التي اقتربت من بعضها في ليلة شتاء متجمدة طلبًا للدفء وهربًا من البرد القارس. لكن المشكلة تكمن في أن أشواك أجسادها جعلت تقاربها مؤلمًا. كلما اقتربت من بعضها تأذت من الأشواك، وكلما ابتعدت تجمدت من البرد. وهكذا تكررت المحاولات حتى وجدت حلاً بأن تحافظ على مسافة آمنة تجمع بين الدفء وتجنب الألم.
ختامًا، العلاقة الإنسانية بلا حدود تكثر فيها المشكلات وتصبح سلبياتها أكثر من إيجابياتها، ما يُعيق نموها. لذا، علينا أن نحرص على ضبط المسافة الآمنة مع الآخرين؛ احترامًا لخصوصية كلا الطرفين، حتى وإن كانا أقرب المقربين، وأيضًا لضمان طريق للرجعة إذا اقتضت الحاجة.
ودمتم بِوُدٍّ.