حين صارت الحياة إطاراً


عبهر نادي _ المدينة المنورة
لم تكن حياتهم الطبيعية كما تبدو على الشاشات…لكنهم تعلّموا كيف يفلترون اللحظات ويُعدّلوا الزوايا، ويشكلون يومهم بألوانٍ مُزيفة من ضوءٍ مصطنع .ابتسامتهم لا تسقط، وإن سقطت دواخلهم…يعرفون جيدًا كيف يُجيدون الظهور، بينما ينهار فيهم كل شيء دون صوت.
لم يجبرهم أحد على الكمال، لكنهم شعروا أن الظهور بشكلٍ أقل من المثالية خسارة .. وهكذا …أصبحوا يعيشون في مساحة صغيرة بين حقيقتهم وما يصدر منهم ، حتى لم يعودوا يعرفون: هل هم من يعيشون؟أم من يُمثّلون؟
إنهم أولئك الذين اختاروا أو انزلقوا — دون وعي — إلى وهم الكمال الرقمي… وإن صح التعبير فلنقل (هوس المثالية )
يقضون وقتًا طويلًا في صقل صورتهم للناس ،لا أنفسهم للذات …كل صورة تُلتقط لهم لا توثِّق لحظة، بل تصطنعها … ليس يالضرورة أن يكونوا فعلوا ذلك بدافع التزييف ..بل لأنهم وجدوا أن هناك “نسخة منهم” تلقى الإعجاب، التصفيق، والقبول…نسخة مصقولة، لا تعرف التعب، لا يُصيبها التوتر، ولا يتجعد مزاجها…وبمرور الوقت، تُصبح تلك النسخة أكثر حضورًا من الذات الحقيقية … وهنا تبدأ المقارنة القاسية داخلهم ..بين من هم ؟ومن صاروا مُلزمين أن يبدون عليه.
وكأن الأمر أصبح أشبه بعقد غير معلن: أن تبقى مثاليًا ليبقى العالم حولك راضيًا… لكن الحقيقة …
أن التجميل المستمر يُرهق الروح، وأن الإعجابات من حولهم لا تملأ الفراغ العاطفي العميق الذي يخلّفه الشعور بأنك لم تعد كافيًا كما أنت…أصبح الداخل متهالك … ربما لن يعترفوا بذلك بصوت مرتفع…
لكن قلوبهم تصرخ في صمت: هل من الطبيعي أن أتعب؟ أن أرتبك؟ أن أبدو ناقصًا؟
والجواب:نعم
النقص طبيعي.
والضعف لا يُقلل من قيمتك.
والحياة الحقيقية لا تُبنى من لقطاتٍ مثالية، بل من لحظات صادقة حتى وإن كانت فوضوية.
إن معالجة هذا الهوس لا تأتي من الخارج، بل من الداخل: حين يجرؤ الإنسان أن يظهر كما هو، دون تحسينات او دون ابتسامة مُفروضة.
حين يختار أن يكون على طبيعته لا على مقاس التوقعات… فلنُعد تعريف الجمال الحقيقي مرة أُخرى
بأن نُحبّ أنفسنا لا كما تبدو في الإطارات، بل كما تنبض حين لا يرانا أحد.