تأبينٌ منسيٌّ
سامى رضوان عبد الوهاب
ثفي أدبِ الجنازاتِ تمرُ محمولاً
على الأكتافِ يا أيها المنسي
الذي بطينِ أرضكَ فجوةَ
ورفاتَ أجسادِ تنامٍ في أعماقِ
الرحى لا صوت يعلو فوقَ
صوتكَ حينَ عسعسَ الليلُ
في البراري الخضراءِ بطحَ
أرض تجفّ عصارةٌ وكأنما
هوَ السبيلُ إلى حياةِ معاناةٍ
بلا قدرِ منْ الخطورةِ أنهُ حيا
ما زالَ بيننا كأنهُ ميتٌ لا قلبَ
لهُ ولا نفسَ يا لا الأسفُ ما زالَ
يطفو فوقَ بريقِ الماسِ في لونِ
الأملِ حتى يجبَ عنهُ القدرُ لقدْ
رأيتُ في أدبِ الجنازاتِ التي
كانتْ تمرُ على دروبِ الراحلينَ
منْ هنا برقَ يرقعُ لوحاتِ الليلِ
الحزينِ سألتْ نفسيٍّ والسنينَ
كادتْ تشدُ خيوطها بينَ أطرافِ
أصابعي لمْ يزلْ حبلُ الوريدِ إلى
الحنينِ مسافرا يا لا العجبُ كَلَّ
العجبِ الصمتِ خيمَ الاعتصامُ
أمامَ محكمةِ الحياةِ يبدو بلونٍ
مختلفٍ حتى انحنى منى الرحى
وخضعتْ دونَ إرادةٍ لا أدري بِأَيّ
شيئا متهم قالَ القضاةُ هذا الذي
حتما قضى كمُ ألفِ عامٍ قبلَ
ميلادهِ كَأَنَّ الطفولةَ تبدو بائسةً
وعيونُ تلكَ الفجرِ زرقاء اللونِ
تَغُضّ عنْ خطبِ الأنظارِ طرفها
حورَ عينَ وأميرةِ الصحراءِ تفردَ
جدائلِ شعرها كليلٍ في ضواحي
اَلْحَيّ لكنَ ضوءَ القمرِ يفضحُ سَرَّ
جمالها والعابرينَ هاهنا سكبتْ
جداولَ منْ فروجِ المنحدرِ تسقي
صغارَ الإبلِ في البيداءِ منْ هذا
المطرِ ودبيبِ أقدامِ الرعاةِ
الأمهاتِ وهن يجمعنا أعوادَ
الحطبِ تمضي النعالُ في دروبِ
الجنازاتِ بصوتٍ مرتفعٍ يدي
ترتعشُ أنفاس تحبسُ ما بينَ
جوفِ بطينِ أحشاءٍ حملتْ رقيقٍ
طفلٍ لمْ يولدْ تبدو غياهب اَلْجبّ
للموتِ مناضلةَ وجهي وعيني
مثقلةً النظرِ هذا الزحامِ كادَ
يذكرني ما مضى فوقَ أرففِ
الأزمانِ يبدو غبارَ أتربةٍ السنينَ
الضحالةِ بركان يفوقُ حَدَّ تصوري
هيهاتَ منْ ذاكَ المغيبِ أنْ يعودَ
إلى حقولِ الوردِ يقطفُ زهرة
ويجولُ في بطنِ الحدائقِ منْ
جديدٍ كمُ ألفٍ يتمُ في صباحِ
الوردِ هبةَ الفراشاتِ التي كانتْ
تحلقُ في سماءِ الملكِ حينَ
سجيتي وكأنها نشرتْ في
أعماقِ الفضاءِ قصتي يا أيها
الوطنُ الغريبُ متى تعودُ وَتَشُدّ
عودَ الصبا نبضَ الجذورِ إلى بلادٍ
راحلةٍ متى تنتهي التيهَ العمياءَ
حينَ يَمُرّ على سفوحِ الجبالِ
موكبَ والروحِ تسألُ عنْ طموحِ
صغارها لا تسقي ولا تسكرُ يا أيها
الوطنُ الذي فاقَ الكري كأنهُ هوجْ
تقلدَ منصبُ العلياءِ بينَ جوانحي
تشكو الرفاهَ تحتَ أعماقِ الثرى
وتنامٍ في حضنِ التاريخِ دونَ عبارةِ
أثقالِ حملِ منْ مخاضِ ميلادهِ تبدو
القوافلُ في نُحِبّ الرواةُ تحررُ نفسها
وصراخُ أصواتِ اَلْهَجِين تعلو رؤوسُ
الجبالِ كادتْ تنبئُ عنْ خبرٍ تقولُ للملكِ
المعلقِ في دواوينِ أسفارِ الزمانِ هيهاتَ
هيهاتَ وطنيّ اَلْمَنْسِيّ لا يحتضرُ